[ad_1]
ذلك، بجانبِ أنّ السياسة الاستعمارية المتمثلة في التنمية غير المتكافئة والهيمنة السياسية لنخبة الشمال النيلي تسببت في الكثير من الاستياء وسط النخبة الإقليمية وشعوب وأقوام السودان في الأجزاء الأخرى الأقل تطوراً في السودان. فبدأت منظماتٌ وأحزاب سياسيةٌ إقليمية في الظهور بعد الاستقلال مباشرةً والتي تشكلت استجابة للمظالم الإقليمية، بيد أنّها تمددت في شرق وجنوب شرق البلاد وتحولت من حركات سياسية سلمية لجماعات مسلحة ظلت تقاتل ضد الحكومة المركزية، حتى قيام ثورة ديسمبر 2018.
االقوى “التقليدية” و”القوى الحديثة”
كما نوهت في مقدمة هذا التعليق، ظلت فترة ما بعد الاستقلال تشهد صراعاً داخلياً بين مختلف القوى السياسية “الوطنية”، التي توحدت في النضال ضد المُستعمِر، حول السلطة الوطنية ومهام بناء الدولة، وهو الصراع الذي لا يزال مستمراً، ولو تعددت أطرافه وأختلفت أشكاله. على خلفية التوجهات الإيديولجية وتباين القواعد الاجتماعية، التى أفرزها الاقتصاد السياسي للاستعمار، لهذه القوى الوطنية، تم ابتداع مفهومي القوى “التقليدية” والقوى “الحديثة” في وصفِ هذا الصراعٌ، وهما مفهومان سادا الأدب السياسي حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، دون إغفالٍ للحرب في الجنوب أو الحركات السياسية الإقليمية. أثار المصطلحان تحفظاً شديداً من قبل بعض الدارسين والسياسيين بأنّ تقسيم المجتمع والسياسة إلي “تقليدي” و”حديث” أمراً يجافى الواقع السوداني. ومع أخذ هذه التحفظات في الاعتبار ، فإنه ليس من التعسُّف في شيء أن نَصِفَ بعض التشكيلات الاجتماعيَّة بــ“التقليديَّة” وأخرى بــ”الحديثة” في سياق التطوُّر التاريخي والموضوعي للمجتمع والاقتصاد السودانيين. فقد صاحب هذا التطوُّر نشوء كياناتٍ سياسيَّة (حزب الأمة والأحزاب الاتحادية)، ذات توجُّهٍ تقليدي مُرتبطٍ بالطائفيتين الدينيتين الرئيستين، الأنصار والختمية، وبرامج تخاطب التكوينات التقليديَّة، من جهة، وبروز قوى سياسيَّة جديدة (الحزب الشيوعي) ونقابيَّة صاغت رُؤاها وبرامجها لمخاطبة التشكيلات الحديثة. ومع ذلك، لا ينفي هذا التقسيم، الذي تقتضيه ضرورة التحليل، التقاطعات والتمفصُل بين هذه التكوينات. فمثلاً، مع أن حركة الأخوان المسلمون، بمسمياتها السياسية المختلفة والمتعددة، تقوم علي أسُسٍ دينيَّة، إلاّ أن لا يمكن إدراجها ضمن القوى التقليدية، حيث يستند الإسلاميون أساساً على الشرائح الاجتماعية الوُسطي التي نالت قسطاً مُقدراً من التعليم. لذلك، أستخدم المصطلحين كمفهومين سياسيين يُميِّزان بين قُوى اجتماعيَّة تتباين في برامجها السياسيَّة ومواقفها حول قضايا السُّودان الأساسيَّة، خصوصاً العلاقة بين الدين والدولة والهُويَّة وحقوق المواطنة.
ما أن انطلقت العملية السياسية لتأسيس الدولة الوطنية المستقلة حتى نشب الصراع على سلطة الدولة الوليدة بين أحزاب القوى التقليدية و”الإسلامية”، من ناحيةٍ، وبينها وبين القوى الحديثة، من ناحية أخرى، والذي أفضى إلى إنقلاب واستلام الجيش للسلطة في 1958 و1969 و1989، ولو تحت غطاء سياسي لأطراف كل هذه القوى. وفي هذا السياق، فمع ارتباط مصطلح “الوطنية” بعموم حركة مُناهضة الحُكم الاستعماري، إلاّ أنّ المفهومَ برز مُجدداً على سطح السياسية السودانية في منتصف السبعينات. على خلفية حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، بجانب تفاقم خلافات القوى التقليدية والإسلامية على موضوع الدستور الإسلامي، أزاح انقلاب 25 مايو بالقوة العسكرية تحالف القوى التقليدية من سدة الحكم وحسم الصراع السياسي لصالح القوى الحديثة، بل واستحدث مصطلح جمهورية السودان “الديمقراطية”. وهو الاتقلاب الذي باركه الحزب الشيوعي وشاركت فيه الأحزاب القومية العروبية والحركة النقابية السودانية بكل فئاتها (العمال والمزارعين والمهنيين) .
[ad_2]
Source by حركة المستقبل للإصلاح والتنمية – السودان
ذلك، بجانبِ أنّ السياسة الاستعمارية المتمثلة في التنمية غير المتكافئة والهيمنة ا…
Leave a Comment


