[ad_1]
الجيش السوداني وعناصر الثقافة الوطنية والبناء الوطني.
____________________________________
توجد علاقة بين الوظيفة والدور الذي يؤديه الجيش في البلاد، وبين أدوار تيارات المدنيين والسياسيين في البلاد. تتُبع هذه العلاقة في تاريخ السودان الحديث يحتاج لدراسة مُستفيضة ولكننا سنصوب النظر نحو كشف جانب بسيط ومهم وضروري ليؤخذ في الاعتبار اليوم، لا سيما ومهددات دولتنا الوطنية عديدة داخليا وخارجيا.
علاقة الدور الذي يؤديه الجيش متفاعلا مع فضاء المدنيين عرفت التطورات الآتية:
أ-مرحلة التأسيس المشترك للحركة الوطنية السياسية قبل الاستقلال، حيث تحالف ضباط وجنود سودانيين مع طلائع الحركة الوطنية من المثقفين في حركة اللواء الأبيض وثورة 1924.
ب-مرحلة مابعد الاستقلال حيث ظهرت في القوات المسلحة نزعتان:
* الأولى ثورية يسارية وقضيتها الاشتراكية تُعادي القوى التقليدية في السياسة متأثرة بحركة الضباط الأحرار في مصر وشخصية جمال عبدالناصر.
*الثانية مُحافظة تُبقي على الأوضاع كما هي، تنشد الاستقرار وقضيتها الوحدة الوطنية للبلاد.
هاتان النزعتان حكمتا دور الجيش بعد الاستقلال حتي الثمانينات سواء تحالف مع سياسيين مدنيين يحكمون البلاد أو حكم الجيش نفسه البلاد.
مثلا الرئيس عبود كان مُعبرا عن النزعة الثانية المُحافظة بعد أن حكم بتنسيق مع عبدالله خليل رئيس الوزراء حينها والقيادي بحزب الأمة، والرئيس النُميري كذلك مثال مناسب فقد كان مُعبرا عن النزعة الأولى منذ بداية مشاركته في ثورة أكتوبر 1964 حتى تمرد الشيوعيين عليه في حركة يوليو الانقلابية 1971. بعد ذلك صار النميري ممثلا للنزعة الثانية المٌحافظة وقضيتها الوحدة الوطنية.
أيضا عهد الإنقاذ جزء من هذه المحددات العامة وغير منفصل منها، فالجيش في هذا العهد مثل موقفا مُحافظا وثوريا في ذات الوقت، لا كتمرحل متعاقب زمنيا كما عرفه النُميري بعد 1971 ولا كمحافظة صرفة تقليدية جعلت من الرئيس عبود داعما للمعونة الامريكية في يوم من الأيام، بل جاء موقف الجيش في مرحلة الإنقاذ ليُمثل روح المؤسسة وعصبيتها وكذلك ليُضيف على عقيدتها القتالية بعدا إسلاميا وطنيا مترابطا أشد الترابط. وهنا فإن القوات المُسلحة السودانية بلغت قمة عالية في (عقديتها الوطنية) وأفقها الأخلاقي والحضاري مع هذه الآيدلوجيا السودانية الوطنية الإسلامية، لكنه تخلى عن دوره الثوري تدريجيا حين انغمست قيادته في تقاسم سلطة الثروة وعوائد النفط والارتباط الطبقي مع نخبة رأسمالية ثم لاحقا مع المال الخليجي بعد حرب اليمن.
إن هذه العلاقة الجدلية بين الدور الوظيفي للجيش وبين أدوار التيارات السياسية الوطنية تصلح للنظر المُعمق أكثر وأكثر بملاحظات وشواهد وحجج لتصل لقانون مطرد، يشرح تموضع الجيش ودوره في السياسية بمثل ما عرفته تلك الدراسات التي شرحت دور الجيش المصري ودور الجيش التركي في عهد الأتاتوركية.
إن الوطنية السودانية فكرة لا يُمكن أن تنشأ بدون هوية ثقافية ودون بعد حضاري وموقف عالمي وإقليمي. والوطنية التي لا تقوم على باعثة حضارية أصيلة من الخُلق والدين والثقافة إنما هي حصن متداع يوشك أن ينهار. وهنا نتساءل عن طبيعة المؤثرات الثقافية اللازمة للجيش الوطني للسودان؟
لن نصنع إجابة مجردة نظرية، بل ستتولد الإجابة من فهم تاريخ الدور السياسي الذي سبق وصفه المتأرجح بين النزعة الثورية والنزعة المحافظة، وهنا مباشرة يظهر خطأ النظر للجيش كمهنة بيروقراطية وظيفية تخصصية لا تحمل مضمون قيمي وأخلاقي وآيدلوجي. هذه النظرة خاطئة وخطيرة وهي جزء من محاولة إفراغ القوات المُسلحة من بعدها الوطني وتحويلها لجيش عبارة عن كتيبة ضخمة مترهلة من الموظفين، يجب أن يمتلك جيشنا آيدلوجيا وطنية هي جماع للعناصر الحضارية المشكلة للاجتماع السياسي في السودان
ولابد من فهم الجيش في دوره الوطني الثوري والمُحافظ، فهو وطني من ناحية حمايته للوحدة الوطنية السودانية وتمثيله القومي لجميع السودانيين، ثم هو ثوري من ناحية موقفه الاجتماعي كمؤسسة صعد من خلالها أبناء الفقراء والطبقة الوسطى ويجب أن تنحاز لهم على الدوام، وهو مُحافظ من ناحية حماية مرتكزات الأمة الثقافية والدينية والاجتماعية في مواجهة نزعة التفسخ والإنحلال والسيولة.
إن هذه المحددات الثقافية الوطنية والثورية والمُحافظة تحتاج لمنهج تدريب وتربية ترعاه الدولة ويُعمم على الفضاء السياسي والمدني والعسكري والتعليمي، واليوم فإن الصراع السياسي في باطنه العميق هو صراع بين رؤى متعارضة بعضها ينظر للسودان بنظرة المؤسسة الغربية وتاريخها الاستعماري محولا إياه لدولة مُصممة على أساس مفكك ضعيف لتحول ديمقراطي مزعوم غير حقيقي، وسياسات اقتصادية نيولبرالية تبعد الدولة من كل دور تنموي وتصب في مصلحة صفوة بسيطة، وسياسات ثقافية تغريبية تكرس للإستلاب الثقافي والذوبان في عولمة تفرغنا من كل مضاميننا الثقافية المحلية وتمنع ثقافتنا القومية من التطور.
هذه الرؤية يجب أن تواجهها رؤية وطنية للسودان ببعد حضاري وثقافي واجتماعي تحفظ للبلد سيادتها وللإنسان كرامته وللشعب حقوقه الاقتصادية وبغير هذا التوجه القومي وبعناصره الثلاث المتداخلة (الوطنية والثورية والمُحافظة) لن يكون السودان قادرا على العبور في بحر الصراع السياسي الجغرافي العالمي والإقليمي .
ما سبق يحكي بشكل مُختصر طبيعة العلاقة والتفاعل بين مؤسسة الجيش والفضاء السياسي للقوى المدنية. فهم هذا الدور يحتاج منا ترك مفاهيم الدكتاتورية العسكرية وغيرها وراء ظهورنا، لكشف المؤثرات الثقافية والآيدلوجية الكامنة وراء دور مؤسسة الجيش وطبيعة الرؤى الفكرية المُتصارعة حولها، وماهو المهم اليوم ليتم بعثه وتأكيده من جديد.
#عدالة_إصلاح_تنمية
[ad_2]
Source


