بين عالمين: سلك وحنان، صلوحة ودارمود
عبدالرحمن عمسيب
سلك وحنان.. حالة النشاز
شخصيات مثيرة للجدل مثل سلك وحنان، وهما من وجوه قوى الحرية والتغيير، تفتقر للثقل الاجتماعي والتأثير الفعلي في محيطها؛ فلا قاعدة شعبية قوية لهما، ولا قبول مجتمعي واسع. في الحقيقة، موقفهما الداعم للجنجويد يمثل نشازًا في مجتمعاتهم، التي يبدو أن معظم أفرادها يتفقون على ضرورة رفض جرائم الجنجويد وضرورة دحرهم.
بصيغة أخرى، يمكن القول إن موقف سلك وحنان لا يمثل تيارًا شعبيًا واسعًا، بل هو مجرد رأي فردي معزول ينتمي لشلليات صغيرة، بعيد عن توجهات المجتمع الأكبر، سواء في منطقة الجزيرة، وخاصة في فداسي التي ينتمي إليها سلك، أو في مجتمع المحس في الشمال الذي تنتمي إليه حنان.
صلوحة ودارمود.. عزلة اجتماعية
على الجانب الآخر، نجد أن صلوحة ودارمود يقفان مع الدولة، لكنهما في الوقت ذاته يعانيان من العزلة داخل مجتمعاتهما. فمثلاً، ينتمي صلوحة إلى مجموعة المسيرية الفلايتة، وهي أقلية صغيرة ضمن المسيرية الحمر، تعيش في عزلة نسبية داخل مجتمع المسيرية الكبير، كما أن لديها صراعًا مع ناظر عموم المسيرية. هذا يجعل موقف صلوحة متجذرًا في تقديرات عشائرية ضيقة، ويضعه في عزلة اجتماعية تجعله غير ممثل لتوجهات قبيلته الواسعة.
من الطبيعي إذًا أن موقف صلوحة ودارمود المؤيد للجيش لا يُمكن فهمه كموقف يعبر عن جميع المسيرية و هو ليس موضوعنا ، و لا حتى أن القبيلة نفسها منقسمة الى جماعتين كبيرتين ، بل هو موقف فردي، يشبه في عزلته موقف سلك في الجزيرة، حيث لا يمثل إلا فئة صغيرة في مجتمع كبير يقف أغلبه إلى جانب الجنجويد.
المسؤولية الفردية والمفهوم الحديث للقبيلة
في هذا السياق، يتكرر قول البعض: “ليس كل المسيرية مع الجنجويد”، مع الإبتزاز بدعاوى العنصرية و الكراهية ، في محاولة لتبرئة القبيلة من المسؤولية.
كنني أرى في هذا القول نوعًا من التغافل أو قل التواطوء ؛ فالقبيلة، كالمسيرية مثلاً، كيان اعتباري يمكن محاسبته كجماعة متماسكة، لا كمجرد إطار ثقافي. هذا التصور الذي يرى القبيلة مجرد هوية ثقافية يتبناه بعض النخب المدينية، التي تنظر للمسؤولية كمفهوم فردي بحت.
عصب المشكلة يكمن في هذا التصور المديني الحديث لبعض أبناء الخرطوم والنخبة، الذين يفهمون المسؤولية بشكل فردي، دون اعتبار للقبيلة كمؤسسة متماسكة لها كيانها. هم عندما يؤكدون أن “المسيرية ليسوا جميعًا مع الجنجويد”، ينظرون بعين مدينية تركز على المسؤولية الفردية، متجاهلين تمامًا التصور التقليدي للقبيلة كجماعة سياسية و هي مسؤولة ككيان.
خلاصة
الإشكالية تكمن في قصور فهم النخبة المدينية لدور القبيلة ومكانتها في غرب السودان، حيث تلعب القبيلة في الأرياف دورًا محوريًا مماثلًا لدور الأحزاب والتنظيمات السياسية في المدن. القبيلة ليست مجرد هوية، بل كيان متماسك، وناظر القبيلة هناك لا يمثل فردًا بحد ذاته، بل هو رأس مؤسسة وقائد لمجتمع بأسره، يتحمل مسؤولياته ويتخذ قراراته وفقًا لمصلحة الجماعة ككل.
#مقاطعة_الجنجويد
#إنفصال_في_الحال
Source by عبدالرحمن عمسيب