[ad_1]
#التصنيع_الحربي
شهدت خارطة العلاقات الدولية السودانية منعطفات مفصلية في أعقاب التغيير السياسي الذي أعقب سقوط نظام حكم البشير والمؤتمر الوطني، إلا أن التطورات اللاحقة المتصلة بملف التصنيع الحربي والدفاعي تلوح في الأفق بإمكانية نشوء أزمة عميقة ذات أبعاد استراتيجية وتقنية بالغة الحساسية.
إن السماح بزيارة وفد ذي صفة عسكرية واستخباراتية، ينتمي لدولة إقليمية ذات تاريخ صريح من الخصومة الاستراتيجية مع الدولة السودانية، لمنشآت التصنيع الدفاعي خلال المرحلة الانتقالية وتحديداً في فترة حكم البرهان وأحزاب قوى الحرية والتغيير، يمثل تحولاً استراتيجياً فائق الحساسية، قد تترتب عليه تداعيات بالغة الخطورة على الأمن التكنولوجي وسلامة هذا القطاع الحيوي.
إنّ مقدرة أي دولة على تطوير وتفعيل قطاعها الدفاعي ومن ضمنها السودان، ترتكز بشكل أساسي على التعاون التقني والتكنولوجي المتخصص مع شركاء دوليين يتمتعون بخبرات متقدمة.
هذا التعاون لا يقتصر على مجرد التوريد، بل يشمل نقل المعرفة وإمداد المكونات الحرجة وتأسيس خطوط الإنتاج وصقل الكفاءات المتخصصة.
إن الدول التي كانت تتعاون مع السودان في هذا المضمار، سواء كانت آسيوية إقليمية أو أوروبية، لديها مصالح قصوى في الحفاظ على السرية التامة لتقنياتها ومنتجاتها العسكرية.
وفي ضوء الخلفية الإقليمية والدولية الراهنة، فإن التهاون غير المسؤول المتمثل في كشف تفاصيل منشآت التصنيع الدفاعي السودانية أمام وفد استخباراتي وعسكري ينتمي لدولة، لا تقتصر خصومتها على نظام حكم مُعين، بل هي عداوة متجذرة تستهدف كيان الدولة السودانية وشعبها برمته، يُعد طعناً في صميم الثقة.
هذا الإجراء المشين يُثير هواجس خطيرة ومبررة لدى الشركاء التقنيين، بخصوص احتمالية التفريط أو التسريب المتعمد للمعلومات السرية الحساسة المتصلة بالتكنولوجيا التي عُهد للسودان بحمايتها.
هذه المعلومات تشمل المواصفات الهندسية الدقيقة للأنظمة الدفاعية، أسرار خطوط الإنتاج، منهجيات الهندسة العكسية المتبعة ومصادر المكونات والمواد الخام الحساسة.
من المنظور العلمي والمنطقي للأمن القومي، لا يمكن للشركاء الدوليين أن يُجازفوا بوقوع أسرارهم التصنيعية في متناول طرف قد تعتبره بعض هذه الدول خصماً استراتيجياً أو طرفاً لا ترغب في إطلاعه على تفاصيل قدراتها الدفاعية والإنتاجية ، فالأمن التكنولوجي في قطاع التصنيع الحربي يُعدّ جزءاً لا يتجزأ من الثقة السياسية والاستراتيجية.
إن الدول المانحة للتكنولوجيا العسكرية تُقَيّم العلاقة بناءً على ضمانات راسخة بأن التكنولوجيا لن تُستخدم بما يضر مصالحها، ولن تُكشف لجهات تنافسها أو تعاديها.
إن هذا التوجه الذي تجسّد في سماح القيادة الحالية وعلى رأسها رئيس مجلس السيادة الذي أعلن صراحة تساوي تلك الدولة مع سويسرا ودعا إلى انفتاح غير منضبط على العالم بلا استثناء، بفتح أبواب منشآت حيوية لوفد من الدولة المعنية، يمثل خروجاً غير مبرر ومستهجناً عن الأطر المعهودة.
هذا القرار الاستراتيجي المتهور، يُفسَّر لدى الشركاء الفنيين التاريخيين على أنه انتهاك سافر لميثاق السرية الاستراتيجية ونكث للثقة الراسخة، الأمر الذي يُعرض التعاون التقني المستقبلي للخطر دون مسوغ مقبول.
هذا السلوك يُوحي بوجود حالة من عدم الاستقرار في مركز القرار الاستراتيجي السوداني أو تحوّل جذري في التوجه الاستراتيجي للدولة، مما قد يُعرّض الأمن التكنولوجي للشركاء للخطر.
فمن المرجح جداً أن تتخذ الدول الشريكة قراراً بـتعليق أو عدم تجديد أي عقود فنية أو توريد أي تكنولوجيا جديدة.
إن استئناف التعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية الحساسة يتطلب استعادة كاملة للثقة المفقودة وهو تحدٍّ يكتنفه صعوبة بالغة في ظل استمرار ذات الشخصيات التي اتخذت قرار (الإفصاح) عن هذه المعلومات الاستراتيجية.
وفي ضوء طبيعة العلاقات الدولية القائمة على المصالح الحيوية والمحافظة على الأمن القومي، فإن مسألة استئناف التعاون التكنولوجي مع السودان ستصبح مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بضرورة حدوث تحول جذري في القيادة الاستراتيجية للبلاد.
من الحكمة السياسية أن تضع الدول الموردة للتكنولوجيا شروطاً، سواء كانت معلنة أو غير معلنة، مفادها عدم التعامل مع القيادة الحالية التي أظهرت استعدادها لتعريض الأسرار التكنولوجية للخطر وهذا الإجراء هو قرار استراتيجي لضمان أمنها القومي وتجنب انتقال التقنية العسكرية إلى دولة قد تكون تحت تأثير أو مراقبة جهات منافسة أو معادية.
إن عودة قطاع التصنيع الدفاعي السوداني لمسار التطور والتعاون الفني العالمي مع الشركاء السابقين لن يتحقق إلا عبر تغيير في الهيكلية القيادية العليا التي اتخذت هذا القرار الاستراتيجي وهو الضمانة الأساسية التي يمكن أن تُقدم للشركاء الدوليين بأن حقبة (الإفصاح) قد ولّت وأن قيادة جديدة ستُعلي من قيمة الأمن التكنولوجي والالتزام الصارم بالاتفاقيات السرية وهو ما تقتضيه موازين القوى والمصالح الدولية.
المستشار/ محمد السر مساعد
[ad_2]
Source


