[ad_1]
م.سامي عبدالوهاب يكتب في العدد الأول لمجلة المستقبل :
فهم التحولات السياسية في المنطقة بين الاقتصاد و الجغرافيا و السياسة و تبدل مراكز القوى
فكرت طويلا في عنوان يحوي الفكرة التي اريد ايصالها حتى اعياني التفكر اذا ان الموضوع متشعب ومعقد ويعتمل على تحليلات وتفسيرات كثيرة اعمد الي احالتها الي نمط حتى يمكننا الفهم والتوقع بل ومحاولة تحديد أشراط وظروف محددة لكل تحول منشود.
الشرق الاوسط مصطلح برز مؤخرا في مراكز الدراسات ولدى الحكومات وهو لا يعبر عن رقعة جغرافية بقدر ما انه يعبر عن حالة سياسية فهو مصطلح سياسي وليس جغرافي .
إذ تجد دولا مهمة مثل السودان هلى لا تقع في منطقة الشرق الاوسط بل في شرق أفريقيا ورغم ذلك هي حاضرة عبر التأثير والتاثر في الفعل السياسي والثقافي في الشرق الأوسط بل ان للخرطوم مكانا في أكثر اللحظات حرجا في تاريخ المنطقة الحديث والقديم ، فقديما غزا الكوشيين المنطقة حتى فلسطين ودانت كلها لهم .
اما حديثا فقد مثلت الخرطوم عمقا أمنيا في حرب 67 وكانت لها مشاركة في أغلب حروب المنطقة ، وأن كان هذا تاثيرا أمنيا وعسكريا فلم تغب الخرطوم عن الفعل السياسي وكانت ذروته في قمة اللاءات الثلاثة في الخرطوم .
البعد الجيوسياسي:
منطقة الشرق الاوسط ضمت خمسة قوميات مهمة هي (العرب والفرس والترك والكرد والامازيغ) وجميع تلك القوميات قادت المنطقة في لحظة من لحظات نهضتها .
قديما قبل الإسلام مثلت المنطقة منخفضا حضاريا إذ تعرضت لغزو كل اهل الأرض لها ودانت زمنا طويلا للقوتين العظميتين القياصرة والاكاسرة، وكلا الدولتين كانت تشعر بتهديد من اهل المنطقة وتخشى تغول الصحراء عليها ، فكانت تصنع حزاما يقيها نزاعات المنطقة .
فمثلا القياصرة سيطروا على الشام ومصر بقسمها الشمالي واقاموا مملكة الغساسنة ككيان موالي لهم وحزام يصد الحراء عنهم .
اما الكياسرة فسيطروا على إيران والعراق واقاموا مملكة المناذرة ككيان موالي لهم وحزام يصد الصحراء عنهم .
اما الأناضول فكان يخضع للروم بجزئه الشرقي بينما ينازع الساسانيون الجزء الغربي منه .
البعد الحضاري:
واستمر هذا الوضع ردحا من الزمان.
بعد بعثة الإسلام تغير الأمر تماما وانتابت المنطقة افكار جديدة بثها الإسلام تتحدث عن التحرر ورفض الاستغلال ورفض الاحتلال والخضوع للغازي والاعتداد بالنفس .
واجه الساسانيون والروم تلك الأفكار بالسخرية والاستهزاء ومحاولة الحط من قيمتها وامكان تطبيقها ولكن معادلات الأرض والتحولات العسكرية قلبت الأمور راسا على عقب واجتاحت المنطقة جحافل المسلمين وانتشر مدها الحضاري ، وبعد أن كانت قوات المسلمين تتكون من عرب فقط أصبحت تتكون من عرب وفرس ومن بعد دخل الامازيغ على الخط ورحل الروم الا عن الجزء الشرقي للاناضول بيزنطة والقسطنطينية .
ودق المسلمين بجحافلهم ومشاعلهم الحضارية أبواب الأناضول حتى دان الأناضول كله لهم بشقيه الشرقي والغربي تحت لواء الدولة العباسية .
تلك التحولات اخذت وقتها من التاريخ مئات السنين وفي تلك القرون كان للمنطقة كيمياء عجيبة تمثل حمضا نوويا للنجاح .
في كل مرة تتحلل التركيبة الحضارية للمنطقة ويبتعد كل مكون من مكونات المنطقة (عرب وفرس وترك وكرد وامازيغ) عن الاخر فيصنعون ما يشبه الممالك الصغيرة ولو كانوا تحت لواء واحد تضعف المنطقة وتتعرض لنكبات وكوارث فيتم غزوها من الاوروبيين والتتار وغيرهم ، وفي ذات الوقت كلما اجتمعت وصارت كتلة حضارية واحدة قويت وتمددت واتسعت حتى وصلت السند والهند وأوروبا .
وهنا اقدم تدليلا تاريخيا سريعا على هذا الزعم .
حين ايقن المغول ان المنطقة ضعيفة وتقدموا نحوها حتى سقوط بغداد وقتل الخليفة وقتل مئات الالاف من المسلمين معه كان الواقع السياسي للمنطقة كالآتي:
اولا قبل الغداء ببغداد فقد افطر التتار ببلاد فارس واسقطوا الخوارزميين الذين كانوا يحكمونها في ظل تشظي حيث كانت البيئة الحضارية ممزقة .
الموحدين يحكمون المغرب العربي والحفصيين يحكمون ليبيا والقبائل الإماراتية من الصنهاجة تحكم موريتانيا هذا بالنسبة لشمال أفريقيا.
اما الحجاز فكان يحكمه إشراف مكة و مصر يحكمه المماليك والشام يحكمه الايوبيون والاناضول يحكمه السلاجقة فلا وحدة ثقافية إذ برزت الهويات المحلية والانتماءات الضيقة ولا وحدة سياسية إذ كانت كل منطقة مستقلة بذاتها منشغلة بصراعاتها حتى تمزق الوجدان الذي كان يجمع الجميع .
وايضا لا توجد وحدة عسكرية إذ انفصل كل أمير بجيشه وقراره .
وبالطبع تغيرت البيئة الحضارية فانهارت الدولة عندما انهارت سرديتها وسقط نموذجها وتحولت الي شبح .
في هذا الوقت رجعت المنطقة حضاريا الي عهد ما قبل البعثة الاسلامية فطمع الغازي وتقدم وسقطت المنطقة بين يديه ، وهنا لا بد من استحضار كلمات بن خلدون والتي اظن انه استقاها من التامل في الواقع الاسلامي حبن قال:
> “العصبية إذا قويت لأهل ملة أو نحلة أو نسب، كانت سببًا في بناء الملك والدولة، فإذا اختلفت العصبيات، وعلت كل جماعة بنفسها، ضعف الملك وتصدع.”
لم تستمر المنطقة طويلا حتى نهض المماليك وتحالفوا مع الايوبيين الأكراد مع الاوقوز الترك مع العرب مع الامازيغ مع المسلمين في بلاد فارس مثل أبناء بركة خان واحفاده وبركة خان كان مسلما وينازع أبناء جنكيز خان في السلطة وتحرك الحجاز رغم عدم وجود جيوش منظمة فيه الا انه احتضن العلماء الذين فروا من بطش المغول وقاموا باستنهاض الامة وتحويدها في وجه التتار وبرز في ذلك الوقت بن تيمية وغيره من العلماء .
وحين اكتمل الشرط الحضاري الذي يوحد الامة في صيغة حضارية واحدة قوامها الإسلام ردت المنطقة الكرة على التتار وبدأت انتصارات المسلمين في عين جالوت بعد سنتين فقط من سقوط بغداد .
الشاهد انه لم تتغير موازين القوى في تلك السنتين إنما تغيرت البيئة الحضارية فقط وهو جوهر ما عنيته في هذا المقال ، إذ ان البيئة الحضارية هي العامل الابرز والاساسي الذي يغير ميزان القوى في المنطقة .
في الجزء التالي من المقال سابين التفاعل الحضاري بين المنطقة ومحيطها .
روابطنا علي مواقع التواصل الإجتماعي
فيس بوك https://www.facebook.com/Almostqbal
قناتنا علي واتساب https://chat.whatsapp.com/EZ7olCEoi0V96RoheXyco6
منصة تويتر https://x.com/fmrd2019?t=o3U_8omf-ONeiHfRJEJopA&s=09
تليجرام https://t.me/futuremrdhttps://
#إصلاح_تنمية
[ad_2]
Source


