[ad_1]
بين أبو عاقلة كيكل وإبراهيم بقال… الفارق بين من اختار الوطن ومن فرّ من جحيم الحقيقة
بقلم::شول الدين لام دينق
في زمنٍ تتعرّى فيه المواقف وتنكشف فيه الوجوه، لا يُقاس الرجال بكثرة شعاراتهم ولا ضجيج كلماتهم، بل بثباتهم حين تهتز الأرض من تحت الأقدام. هناك من يختار طريق الوطن وإن كان مبللاً بالدماء، وهناك من يفرّ مذعوراً من وهج المبدأ، تاركاً خلفه ما تبقّى من كرامةٍ وذاكرة.
أبو عاقلة كيكل، القائد الذي كان يوماً ما ضمن صفوف مليشيا الجنجويد، أدرك في لحظةٍ فارقة أن السلاح إن لم يُرفع في وجه العدو، فهو خيانةٌ للتراب الذي نشأ عليه. حين تمردت المليشيا على القوات المسلحة السودانية، لم تغره الوعود الزائفة ولا المناصب المؤقتة، بل عاد إلى جادة الوطن، وسلّم نفسه وقواته طوعاً للجيش، قبل أن يتحرّك الطوفان نحو ولاية الجزيرة.
لم يقف كيكل عند حدود التوبة السياسية، بل أثبتها بالفعل الميداني؛ فشارك مع الجيش في معارك تحرير الجزيرة، وكان صوته يعلو بالتحية لرفاق السلاح لا بالسباب على الوطن. ثم واصل القتال في معركة الخرطوم، حيث امتزج عرقه بدماء الجنود الشرفاء، حتى صار اليوم يقاتل في كردفان، دفاعاً عن وحدة السودان وأرضه وسيادته.
كيكل لم ينتظر أن تفرض عليه الهزيمة الاستسلام، بل اختار طريق العودة قبل أن يُهزم، فصار رمزا للتحول الوطني الصادق، لا المناورة المصلحية.
في المقابل، يظهر اسم إبراهيم بقال، الصحفي الذي لبس عباءة الإعلام وهو في جوف المليشيا، فحوّل قلمه إلى سيفٍ يطعن به الدولة ويهجو رجالها، مسكوناً بوهم الزعامة في زمنٍ يلفظ الكاذبين. حين كانت الخرطوم تُحرّر شبراً شبراً بدماء الشهداء، كان بقال يفرّ مع المليشيا غرباً، باحثاً عن ظلّ النجاة في دارفور، حتى إذا اقترب الجيش من تخومها، ركب موجة الهروب الكبرى نحو تشاد، يرفع راية “الندم” حين سقطت راية القوة التي احتمى بها.
واليوم، بعد أن أحاط الجيش بفلول المليشيا في دارفور وأوشك على سحقها، يظهر بقال من وراء الحدود، يتحدث عن “الرغبة في تسليم نفسه” وكأن الخيانة تُغتسل بعبارةٍ في الهواء. بينه وبين كيكل مفازة من الشجاعة لا تُقطع، فالأول واجه المصير بشرف، والثاني فرّ من الحقيقة مذعوراً، لا يبحث عن توبةٍ بقدر ما يطلب مأوى
ولأن الحقيقة لا تنحني، فإن ما جرى في الجزيرة والخرطوم لن يكون سوى مقدمة لما ينتظر المليشيا في دارفور. فالجيش السوداني، الذي استعاد عواصم وولايات، لا يتوقف عند نصف الطريق. لقد تعلّم من ميادين العزة أن الوطن لا يُستردّ إلا بالعزم، وأن الجحافل التي هربت إلى تشاد لن تجد سوى الريح تلاحقها.
آخر القول..
هكذا تصنع المواقف الفارق بين الرجال:
كيكل سلّم بإرادته، فصار في صف الوطن.
وبقال هرب بقدميه، فصار شاهداً على سقوط المليشيا لا محرراً لها.
إنها الحكاية التي تُروى للأجيال: أن من باع الوطن لا يجد وطناً، ومن عاد إليه وجد التاريخ نفسه يفتح له الأبواب.
وسيكتب التاريخ قريباً: أن الجيش السوداني لم يسحق المليشيا فحسب، بل سحق معها أوهام المتاجرين بالوطن.

[ad_2]
Source


