“تصحيح الإحداثيات”..
عثمان ميرغني
وجدتُ بالصدفة في فضاء الفيسبوك فيديو لأحد منتسبي قوات الدعم السريع يرد على مقطع فيديو كنت اتحدث في حوار مع إذاعة “برو 106.6”. قلت إن من الحكمة توجيه “رسالة إعلامية مضادة” تستهدف “النقطة البيضاء” داخل عقل جندي الدعم السريع، وأقصد بها مركز التوجيه الإنساني الموجود في ضمير كل البشر، الذي يستقبل الإشارة الإعلامية وقد يقبلها أو يرفضها، لكنها في النهاية تترك أثرًا ممتدًا قد لا يظهر إلا بعد حين.
الشاب المتحدث، بعد أن أفرغ مخزون الإساءات الشخصية الموجهة إليّ، بدأ يحاول الرد الموضوعي بمناقشة ما جاء على لساني في مقطع الفيديو. وهذا بالضبط عين ما قصدته. مهما كانت اللغة جارحة، فإنها نقطة البداية.. بداية الوعي.
الخطوة الأولى والمطلوبة إعلاميًا هي سحب التفكير إلى هذا الملعب، مساحة الأخذ والرد، الفكرة والفكرة المضادة، الرأي ونقيضه. مهما تدثرت لغة الخطاب بسيول الشتائم، فإن ذلك غلاف خارجي. هناك نقطة عميقة بعيدة في الضمير الإنساني تراقب وتفحص وتخزن الإدراك. قد يبدأ صغيرًا جدًا لا يُرى بالعين المجردة ولا يُحس، لكنه موجود. وبمزيد من الهواء الطلق، يكبر رويدًا رويدًا، ويشب ويكسر القيد.
لكن الصور الإعلامية الراهنة -بكل أسف- عكس ذلك تمامًا.
بالله، انظروا إلى الحوار الذي عرضته شاشة قناة الجزيرة مباشر في نافذة السودان التي يقدمها الأستاذ أحمد طه. استضاف الأستاذ شريف محمد عثمان من تحالف صمود، وأمين القطاع السياسي بحزب المؤتمر السوداني، في مواجهة مع الأستاذ هشام أحمد شمس الدين. العقل السليم لا ينظر إلى الطرفين بمعيار مباراة بين الهلال والمريخ، فيبدأ في جمع النقاط، ثم يخلص إلى أن هذا الطرف هزم الآخر “ستة-صفر”.
لكن السجال تحول في الوسائط إلى سلسلة معارك إيثيرية لم تهدأ حتى بعد كل هذه الأيام، قوامها الشعارات والهتافات والتلاسن الخشن والإساءات واستدعاء أغلظ الألفاظ. وضاع في الركام تمامًا أي عائد موضوعي عقلاني يساعد في رفع مستوى الوعي السياسي، لينتج تنافسًا لا صراعًا في الملعب السياسي المأزوم منذ الاستقلال.
من ينظر إلى خارطة رقعة الشطرنج السياسي في السودان، يخامره إحساس بأن المعركة الحقيقية الآن هي بين الإسلاميين وتحالف صمود، وأن الدعم السريع، بكل ما ارتكبه من انتهاكات في حق كل المواطنين السودانيين من أقصى الجنينة غربًا إلى أقصى ولايات كردفان الكبرى والخرطوم والجزيرة وسنار، خارج رقعة الشطرنج هذه.
الرسالة الإعلامية المضادة المطلوبة يجب أن تكون أولوياتها نزع سلاح العقل المقاد بشعارات، بعضها ديني والآخر مصلحي شخصي. الذي يحمل البندقية هو العقل وليست اليد. عندما تُنزع السلاح من العقل، تسقط البندقية من اليد.
وعندما تُزرع السلام في العقل، تخضر الأيادي، وتصبح القضية هي الحياة وليس الموت، خضرة النماء لا حمرة الدماء.
افتحوا النوافذ، وارتقوا بالفكر السياسي، وقبله بالرسالة الإعلامية.
#حديث_المدينة الاربعاء 1 اكتوبر 2025
Source