#بناء_الدولة
إن المسؤولية الوطنية تقع على عاتق الجميع لبلورة مسار لإعادة بناء الدولة السودانية على أسس ديمُقراطية راسخة تكفل الانتقال السلمي والمدني للسلطة.
لا يمكن إرساء دعائم استقرار حقيقي ودائم ما دامت القيادات العسكرية في مجلس السيادة تستأثر بالقرار وتتجاوز الدور الأصيل لرئيس الوزراء والسلطة التنفيذية المدنية.
إن هذا التغول على صلاحيات رئيس الوزراء وإخضاعه للتدخلات، ولا سيما من قبل المكون العسكري في مجلس السيادة، يقوّض مبدأ الشرعية المدنية ويعيق معالجة القضايا الملحة للمواطنين، الأمر الذي يطيل أمد الأزمة الراهنة.
يجب أن يكون الهدف الأسمى هو الإسراع في تنظيم انتخابات نيابية حرة ونزيهة تفضي إلى ممثلين حقيقيين للشعب، وتكون مهمتهم الجوهرية إعداد ووضع دستور دائم للدولة السودانية بالإضافة لمراقبة أداء الحكومة الإنتقالية وإجازةً القوانين بعد مراجعتها والتي صدرت ما بعد تجميد العمل بدستور 2005م.
إن السودان لا يزال محكوماً بـوثيقة دستورية مؤقتة منذ العام 2019م، بينما يظل الدستور الدائم غائباً منذ الاستقلال، ما يخلق فراغاً تشريعياً وسياسياً مستمراً.
يجب أن يقوم هذا الدستور على مبدأ الفصل الكامل بين السلطات، بما يضمن الاستقلالية التامة للسلطات السيادية والتنفيذية والقضائية، وذلك لضمان التوازن الفعال ومنع هيمنة أي سلطة على الأخرى.
كما أن حرية الإعلام يجب أن تشكل مرتكزاً دستورياً لا غنى عنه، لضمان الشفافية والمساءلة وتمكين الرأي العام من ممارسة دوره الرقابي الفعال.
هذه المرتكزات هي البوصلة الحقيقية لبناء دولة سودانية ديمقراطية ومستقرة في مرحلة ما بعد الخامس عشر من أبريل 2023م.
على الدستور الدائم أن يعالج التعقيد المزمن في نظام الحكم السوداني، حيث يميل كل من الرئيس المدني المنتخب أو الرئيس العسكري إلى تمكين حاضنته السياسية أو الحزبية عند تولي السلطة، ما يؤدي في النهاية إلى انحياز الرئيس العسكري لصف عسكريته وتخليه عن المسار السياسي المدني.
ولمعالجة هذا التحدي الجوهري، يتعين إحداث تعديل هيكلي لنظام الحكم في السودان يركز على الفصل الواضح بين الأدوار المدنية والسياسية والعسكرية والأمنية:
رئيس الجمهورية (القائد الأعلى للقوات المسلحة) يكون مرشحاً دائماً من قبل الجيش السوداني، على أن تتزامن فترة ولايته (5 أعوام) مع الدورة البرلمانية، ويُجدد له لخمسة أعوام أخرى فقط كحد أقصى، يقتصر دوره على حماية الدستور الدائم للدولة ورئاسة المنظومة العسكرية والأمنية كقائد أعلى للقوات المسلحة، ولا يمارس أي أدوار تنفيذية في الحكومة.
مهمة رئيس الجمهورية الرئيسية هي حماية المنظومة العسكرية والأمنية في الدولة من تغول الأحزاب، حتى وإن كانت حاكمة.
أما رئيس الوزراء فيصبح وفق الدستور الدائم نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويُعين من قبل الحزب أو القوى الحزبية الفائزة بأغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات العامة.
يهدف هذا المقترح إلى تأسيس رئاسة رمزية دستورية ذات طابع عسكري ومستقلة عن التنافس السياسي، بالتوازي مع ضمان وجود حكومة مدنية منتخبة ذات سلطات تنفيذية كاملة.
ويُربط رئيس الوزراء بالمنظومة العسكرية والأمنية بمنصب نائب القائد الأعلى بحكم منصبه رئيساً للحكومة المنتخبة.
المستشار/ محمد السر مساعد