جريدة ديسمبر – العدد 20
الخميس 18 سبتمبر 2025
إذا عُرف السبب بطل العجب
لماذا غابت المعلومات تمامًا عن سيرة ومسيرة والي الخرطوم؟
دكتورة ميمان الإمام
الغياب التام للمعلومات عن سيرته، له علاقة وثيقة بطبيعة مسيرته. فهو كادر أمني سري، منذ التحاقه بالحركة الإسلامية، وهو طالب بالمرحلة الثانوية. وكان من أوائل المستوعبين في (جهاز جمع المعلومات)، الجسم الاستخباري السري الذي أسسه حسن الترابي في عام 1976.
على الرغم من مرور أكثر من 42 شهرًا منذ تعيينه واليًا للخرطوم، بقرار أصدره البرهان بعد شهرين من انقلابه في أكتوبر 2021، إلا أن أحمد عثمان حمزة لا يزال لغزًا، فلا أحد يعرف عنه شيئًا، وخلت الأسافير تمامًا من أي سيرة لمسيرته الخاصة والمهنية؛ فلا يعرف عن أسرته شيئ، أين درس، وفي أي جامعة تخرج؟.
المعلومة الوحيدة المنشورة عنه أنه؛ ضابط إداري دفعة 1987، ولد في إحدى قرى ولاية النيل الأزرق، ونشأ وترعرع في حي الهاشماب بأم درمان، وعمل لعقد ونصف العقد مديرًا تنفيذيًا لأمبدة، المحلية الأكبر مساحة في ولاية الخرطوم (20,695 كيلو متر مربع)، والأكثر سكانًا (نحو 1.5 نسمة) بين محليات الخرطوم السبع. وظل في تلك الوظيفة، إلى أن تمت إقالته بقرار أصدره في فبراير 2020 والي الخرطوم، في ذلك الوقت، الفريق أحمد عبدون حماد، فغادر إلى القاهرة ولم يعد منها إلا بعد أن أصدر الفريق البرهان، في مارس 2022، قرارًا بتكليفه واليًا للخرطوم.
الغياب التام للمعلومات عن سيرته، له علاقة وثيقة بطبيعة مسيرته. فهو كادر أمني سري، منذ التحاقه بالحركة الإسلامية، وهو طالب بالمرحلة الثانوية. وكان من أوائل المستوعبين في (جهاز جمع المعلومات)، الجسم الاستخباري السري الذي أسسه حسن الترابي في عام 1976، فور تصالحه مع نظام جعفر نميري، بهدف اختراق مؤسسات الدولة والمجتمع. لعب هذا الجهاز دورًا فاعلًا في انقلاب يونيو 1989، ليتحول اسمه لاحقًا إلى جهاز (الأمن الشعبي)، الذي تمتع بسلطات واسعة، وتغلغلت عناصره في كافة مفاصل الدولة والمجتمع، ممارسين مهمتهم؛ رصدًا وملاحقةً واعتقالًا وتعذيبًا وتصفيةً لمعارضي النظام، وضمن ذلك تصدوا بعنف لانتفاضة سبتمبر 2013 التي راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل، وشاركوا بقوة في مذبحة القيادة التي خلفت وراءها مئات الشهداء. وهم من هدد بهم علي عثمان محمد طه، قبل سقوط النظام، واسماهم “كتائب الظل”.
وظل أحمد عثمان حمزة، حتى سقوط نظام الحركة الإسلامية، أحد أهم قيادات ذلك التنظيم، ورئيسًا لشعبة الضباط الإداريين، وتمكينًا له من أداء مهمته الأمنية، ظل بالخرطوم، ولم يُنقل منها لأي ولاية أخرى، بعكس زملائه.
المهمة الرئيسة المكلف بها حمزة بعد تعيينه واليًا للخرطوم، هي إعادة الذين أبعدتهم لجنة إزالة التمكين، ورصد ومطاردة وتهديد وترهيب المعارضين والتنكيل بهم وتصفيتهم، وبخاصة رموز ثورة ديسمبر 2019. وحتى يتمكن من تنظم هذه العملية وجعلها أكثر فعالية أصدر فور عودته للخرطوم، بعد انسحاب قوات الدعم السريع منها، قرارًا بتكوين “الخلية الأمنية” التي وصفها القرار بأنها “جهاز إنذار مبكر لبقية القوات النظامية”، وحدد مهامها في؛ جمع المعلومات وتحليلها وتصنيفها والتعامل معها، ورصد الخلايا النائمة، والتحري ومراقبة الأشخاص والأماكن والأنشطة المُشتبه فيها، والتفتيش والمداهمة، واستجواب المقبوض عليهم، وتنفيذ حملات أمنية نوعية.
وما لم يقله القرار إن “الخلية الأمنية”، التي يقودها أحمد عثمان حمزة، هي الاسم الجديد للأمن الشعبي.
وأمثال حمزة، الذين خرجوا من تحت عباءة الأمن الشعبي، كثيرون. منهم، على سبيل المثال صلاح عبد الله قوش، ومحمد عطا المولى، وحسب الله عُمَر، وعِمَاد الدين حسين، وجمال زَمقان، وطارِق محجوب، والرشيد فقيري، وكمال عبد اللطيف، والصافي نور الدين، ونصر الدين محمد أحمد، وعُمَر نِمِر، ومحمد حسب الرسول، عوُمَر الأمين، ومحمَّد الحسن أبوبكر، وكمال موسى، وأحمد علي الفشاشُوية، والزُبير محمد الحسن، وعلي كرتي، محمَّد حسن أحمد المقلي (شقيق عبد الله حسن أحمد)، وعلي الرَّوَى، ودكتور عصام برير مدير الأمن السياسي بالجهاز، المحاضر بجامعة أم درمان الإسلاميَّة، وأويس بشير، مدير دائرة الاستخبارات المدير المالي والإداري بهيئة أراضي ولاية الخرطوم، وأبو عبيدة نصر الدين مدير دائرة النقابات والموظف بهيئة الصَّرف الصحِّي بولاية الخرطوم، ودكتور الزمزمي، مدير دائرة الوجود الأجنبي وهو محاضر في التخطيط الاستراتيجي، وغيرهم.
لكل هذا، فليس مفاجئًا أن يكون أحمد عثمان حمزة، الذي تجاوز الخامسة والستين، مجهولًا ونكرةً بالنسبة للكثيرين، فقد نشأ وترعرع في الظلام، وكان وسيظل أحد خفافيشه.
Source