مكي المغربي
“إبراهام” بين مراجعات الإمارات وتطبيل المؤتمر السوداني!
مكي المغربي
عندما كانت المليشيا تعلق فتاةً بريئة على شجرة في نيالا وتغتال إنسانيتها، كان عزت خيري يعلّق مقاله على موقع صحيفة هآرتس الإسرائيلية ليغتال الحقيقة. جوهر مقاله يدور حول فكرة واحدة: أن “اتفاقيات أبراهام ممتازة لا عيب فيها”، ولكنها – في معنى حديثه – تحتاج فقط إلى إعادة تفصيل بحيث تكون قحت “ذراع المليشيا” هي الطرف فيها، لا حكومة السودان الحالية. ويعرّف خيري نفسه في المقال بأنه من “المؤتمر السوداني” ويفتخر بأنه كان ناطقا باسم “قحت” لفترة، وينتقد أن يكون الجيش طرفا في معادلة التطبيع، لأنه متصل بجماعة آيدلوجية حسب إدعائه.
لكن عداءه للجيش المغلف بزعم مواجهة الإسلاميين انكشف في مقاله السابق عندما كتب في وورلد بوليتكس ريفيو: “الجيش السوداني ليس الأمل الأفضل كما يصور نفسه”، ثم ساوى بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الجنجويد، في ترديد لنغمة معظم متحدثي قحت، وهي حيلة مشهورة تُسمى “توازن القبح”. فقد قال كادر المؤتمر السوداني:
Neither the SAF nor the RSF deserves legitimacy or support
“لا القوات المسلحة السودانية ولا قوات الدعم السريع يستحقان شرعية ولا دعماً”.
هذه الحيلة فرع من مغالطة “التماثل الكاذب”، واحدة من بضع وثلاثين من المغالطات المعروفة في علم المناظرات. والمقارنة من أصلها باطلة: الجيش يُقارن بجيش، والمليشيا تُقارن بمليشيا. إذا كان الغرض دراسة الحالة السودانية نقارن مليشيا آل دقلو بمليشيا الحلو، وإذا كان الغرض البحث عن حل خارجي، فلنقارن مليشيا RSF في السودان بمليشيا RUF في سيراليون: كيف نجح تفكيكها؟ وما الدروس التي يمكن استلهامها لمواجهة الأزمة في السودان؟ ولكن لا مقارنة أصلا في الوضع الدستوري بين القوات النظامية الوطنية ومليشيا غير شرعية.
وبعد هذا التطواف في تفنيد مغالطات خيري، نعود إلى مقاله في هآرتس. فلا غرابة أن يحرّض كادر من المؤتمر السوداني أو من قحت إسرائيل وأمريكا على السودان وجيشه، بل ربما يذهب بعضهم إلى حد المطالبة بقصف بلادهم، كما فعل سياسيون يشبهونهم من قبل. الغرابة أن يصدّق أحد حيادهم الزائف.
لا يوجد حياد هنا، توجد مليشيا، ولها أذرع سياسية متصلة ومنفصلة، ومقالات خيري، الكادر في المؤتمر السوداني، تكشف ذلك بوضوح. الجديد الآن هو “الذراع السلطوي” للمليشيا الذي يزعم أنه يحكم الناس في نيالا ويذيقهم سوء العذاب، بقيادة التعايشي المتناغم مع قادة الذراع السياسي المنفصل “صمود”، ومنهم عناصر المؤتمر السوداني.
ما أوجع قحت والمؤتمر السوداني ومن ورائهم أن شهوداً من الصحافة الغربية والإسرائيلية كتبوا أن اتفاقيات أبراهام تحتاج إلى مراجعة، لأنها ربطت التطبيع في السودان بفرز أيديولوجي، وأن الفصائل التي تسوّق نفسها بوصفها مدنية انكشف للرأي العام أنها في صف المليشيا وباتت منبوذة شعبياً، بينما تزايدت شعبية الجيش.
السؤال الصعب اليوم أمام أذرع المليشيا السياسية والسلطوية: هل سيتجرؤون على مناقشة النقد الإماراتي لاتفاقيات أبراهام بدلاً من التطبيل لها؟
أليس من المضحك أن تنتقد الإمارات استغلال إسرائيل للاتفاقيات بينما يدافع عنها المؤتمر السوداني، لتتحقق فيه عبارة “ملكي أكثر من الملك” أو More Catholic than the Pope؟
لقد قالت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، إن حكومة نتنياهو “أحرجت” القادة العرب الذين وقعوا الاتفاقيات، وإنه من المستبعد أن تقدم دول عربية أخرى على نفس الخطوة قريباً. كما أكدت الخارجية الإماراتية أن الاتفاقيات باتت مهددة بأخطاء إسرائيل. حتى الشيخة جواهر القاسمي ألمحت في تغريداتها إلى نعي الاتفاقيات.
الإمارات تنتقد، بينما المؤتمر السوداني –ممثلا في كادره خيري- يقدم الوصفات لإنقاذ الاتفاقيات، ويحرض على مزيد من التشدد ضد السودان وضد جيشه، بدعوى أن فاكهة التطبيع لا تُؤكل إلا إذا كان الآكلون هم “القحاتة” لا الإسلاميون ولا الجيش.
ويبقى السؤال الأهم: عرفنا موقف قحت فما هو موقف حكومة السودان؟
الإجابة أن الحكومة في عهد قحت ألغت في أبريل 2021 قانون مقاطعة إسرائيل الذي أجازه برلمان منتخب عام 1958، ورغم هذا الحكومة الحالية لم تغير شيئا ولم تتراجع. وقع السودان في يناير 2021 على “إعلان أبراهام” أما الاتفاقية التفصيلية تحتاج إلى صياغة ومصادقة البرلمان، ولكن حكومة السودان لم تتراجع عن التوقيع. وحتى ذلك الحين، فإن باب المحادثات المباشرة مفتوح لأن هذا ما تقتضيه الضرورة الأمنية، وهو ما يتيح للجيش والأجهزة الأمنية متابعة التفاوض حفاظاً على الأمن القومي، لا لحسم الملفات التي من اختصاص البرلمان.
إذن، والرسالة هنا لهيئة تحرير هآرتس، تطوير موقف السودان يتطلب تطوير المواقف تجاه حكومته الشرعية وجيشه الوطني، لا مقالات تحريضية يكتبها الذراع السياسي للمليشيا، منفصلا كان أم متصلا.
[ad_2]
Source


