[ad_1]
#أحمد_عثمان_جبريل..
#يكتب:
الخرطوم ملوثة كيميائيًا .. اعتراف رسمي وكارثة مسكوت عنها
في لحظة فارقة من مسار الحرب السودانية، خرجت الدكتورة منى علي محمد، الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، لتقر بحقيقة صادمة، لطالما تم تداولها بصوت منخفض: (الخرطوم ملوثة كيميائيًا).. هذا التصريح – القادم من أعلى جهة مسؤولة عن البيئة في البلاد – لم يكن مجرد تقييم فني، بل هو بمثابة إدانة بيئية رسمية تُحمّل الدولة، والسلطات العسكرية القائمة، مسؤولية السلامة العامة في عاصمة تئنّ تحت ركام الحرب.
ولكن السؤال: من أين جاء التلوث؟ وما صحة الرواية الرسمية؟ تقول رواية الدكتورة منى الرسمية، أن التلوث سببه قصف قوات الدعم السريع للمناطق الصناعية، ولكن الناظر لهذه الرواية بعين الحياد، رغم أن طابعها رسمي، إلا أنها تُثير تساؤلات لا يمكن تجاوزها: كيف يُعقل أن تقصف قوات الدعم السريع مواقع كانت خاضعة لسيطرتها الكاملة؟ هل رغب هؤلاء في الانتحار مثلاً.؟ ثم لماذا لم تذكر الأمين العام، في إفادتها، أسماء المصانع المتضررة؟..و أين هي قائمة المواد الكيميائية التي تسرّبت؟
وهل تم التحقق من نوعية هذه المواد ومقارنتها مع طبيعة النشاط الصناعي المعتاد في تلك المناطق؟.. إن هذه الأسئلة ليست للترف التحليلي، بل تمثل الحد الأدنى من معايير التحقيق البيئي المهني، الذي يتوجّب أن يُصاحب أي إعلان عن كارثة كيميائية بهذا الحجم.
لقد سبق وأن وجه الفريق البرهان بتكوين لجنة بحثية مهنية للوقوف على الحقائق على ولكن كل ذلك ذر للرماد في العيون لأن البرهان يعرف كل شيء وان لم يكن يعرف فأين نتائج تحقيق هذه اللجنة حتى يعرف .. كما أنه حتى اللحظة، لا وجود لأي تقرير معلن، ولا أية مؤشرات على أن لجنة مستقلة قد شُكلت أو أن تحقيقًا علميًا ميدانيًا جارٍ.
إن غياب الشفافية هنا لا يمكن تفسيره إلا بأحد أمرين: إما أن التحقيق لم يبدأ أصلاً، وكان التوجيه محاولة لامتصاص الغضب العام.. أو أن النتائج – إن وُجدت – مُعطلة خوفًا من تبعاتها السياسية والجنائية.
والمؤسف أنه في ذات الوقت الذي وجه فيه بالتحقيق في مزاعم بوجود تلوث كيميائي في الخرطوم، أطلقت الحكومة حملات إعلامية وسياسية وشعبية، لحث المواطنين على العودة إلى العاصمة.
هنا يتجلى التناقض في أوضح صوره:
كيف يُطلب من المدنيين العودة إلى مدينة يُحتمل أن تكون ملوثة بمواد سامة أو قاتلة؟ وفي ذات الوقت الذي بدأت فيه لجنة للتحقيق في الأمر .. أي منطق يُبرر تعريض السكان – من بينهم الأطفال والمرضى وكبار السن – إلى بيئة غير آمنة علميًا وبيئيًا؟ وهل الغاية هي إعادة تشكيل المشهد السكاني والسياسي بصرف النظر عن سلامة الناس؟
إن ما يُعزز القلق، في أن الخرطوم تشهد في الأسابيع الأخيرة موجات وبائية غامضة، هو تسجيل ارتفاع ملحوظ في معدلات الوفيات في المستشفيات، و ذلك الواقع الصحي يفضح المستور ، إذ إن هذه المؤشرات لا يمكن عزلها عن احتمال التلوث الكيميائي، خاصة مع غياب البنية الصحية القادرة على الاستجابة.
ما يجب أن يقال للجميع بكل وضوح وبدون لف ودوران، أنه إذا ثبت أن هناك تسربًا أو استخدامًا لمواد كيميائية سامة أو محظورة، فإن القضية لا تبقى سودانية فقط، بل تصبح من اختصاص المجتمع الدولي، وتحديدًا: منظمة الصحة العالمية (WHO) برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) اللجنة الدولية للصليب الأحمر .. وربما الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) إن كان هناك شك في وجود مواد مشعة.
ليبقى السؤال المهم: ما العمل؟ في مواجهة هذه الكارثة الصامتة : أولاد ينبغي التحرك على ثلاثة محاور: تحقيق مستقل وشفاف، بقيادة لجنة وطنية مستقلة وبمشاركة خبراء دوليين.
لإعلان نتائجه للرأي العام السوداني والعالمي.. كما يجب تعليق حملات إعادة المواطنين، حتى يتم التحقق من سلامة المناطق المتأثرة.
كذلك يجب تقدم الجهان الرسمية بطلب رسمي للمساعدة الدولية، لتقييم الأثر الكيميائي، ولتوفير المستلزمات الطبية والإغاثية العاجلة.
في الحروب، تموت الحقيقة غالبًا بين ركام الدخان، لكن التلوث الكيميائي ليس شأنًا سياسيًا فقط، بل قضية حياة أو موت..
وإذا فشلت السلطة في توفير الحقيقة، فإن المجتمع المدني، والصحافة، والمنظمات الدولية، عليها واجب ألا تصمت.. لأن الخرطوم، بكل ما تمثله، لا يجب أن تُترك لتختنق في صمت وسط غبار الحرب وتواطؤ الخطاب الرسمي.. إنا لله ياخ.. الله غالب.
[ad_2]
Source


