[ad_1]
مُصطلحات جديدة
دون الخوضِ في تفاصيل، وصلت معارضة القوى التقليدية والأخوان المسلمون لنظام نميري منذ يومه الأول إلى مواجهات واشتباكات عسكرية في معقل أنصار المهدي بالجزيرة أبا وفي أمدرمان ومقتل إمام الأنصار وعدد من القيادات الإخوانية، في مارس 1970. إزاء هذا التطور تشكل بين تحالف حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي والإخوان المسلمون إلى تكوين منصة معارضة بإسم “الجبهة الوطنية” لجأت إلي استخدام السلاح انطلاقاً من إثيوبيا وليبيا ودخول قواتها إلى الخرطوم في منتصف 1976 في محاولة لاستعادة السلطة لم يحالفها التوفيق. فهكذا، ميّزت جبهة المعارضة نفسها ب “الوطنية”، وربما يرجع ذلك إلى 1) نقصٍ في المصطلحات الجديدة للقوى التقليدية والإسلاميين في مقابل ما صكته القوى الحديثة من أوصافٍ لنفسها على شكلة “التقدمية، اليسار، الفكر القومي، الاشتركية، الطليعة”، و2) وصم القوى الحديثة بالارتباطات الخارجية والقومية والأممية مما يطعن في وطنيتهم لدى القوى التقليدية والإسلاميين التي تعِد نفسها وطنيةً خالصةً. للمفارقة، وكأن صفة “الوطني والوطنية” محتكرة لدى القوى الإسلامية أو التقليدية انتزع الإسلاميون صفة “الوطني” من حزب المؤتمر الوطني، الذي أسسته مجموعات من المهنيين المعارضين لنظام مايو من تيار ما يُطلق عليهم “وسط اليسار”، فسموا حزبهم المؤتمر الوطني في مطلع التسعينات، ومع اجازة قانون التوالي السياسي تقدمت تلك المجموعة تطالب بأحقيتها في اسم )المؤتمر الوطني( و لجأت للمحكمة الدستورية لكنها لم تكسب القضية، و استمر الحزب الحاكم يحمل اسم المؤتمر الوطني حتى بعد مفاصلة الاسلاميين الشهيرة العام 1999، بينما استقل الشق الآخر بإسم المؤتر الشعبي و انضوى تحت لافتة قوى المعارضة .
بعد دخول الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي في حلبة الصراع السياسي، في منتصف الثمانينات، بزغت مصطلحات جديدة ك”القومية (من أقوام)” و”قوى الريف والهامش، وقوى “السودان الجديد”، ولكنها لم تجب ثنائية التقلدية والحديثة. بل تحالفت الحركة مع القوتين تحت مظلة التجمع الوطني الديمقراطي ضد حكم الجبهة الإسلامية القومية حتى توقيع اتفاقية السلام الشامل في مطلع عام 2005. في هذا السياق، أشرككم معي في تعليقٍ عميقٍ وطريفٍ للزعيم الراحل جون قرنق في اجتماع نظمناه مع عددٍ من المثقفين والمهنيين في مقر إقامته بالقاهرة، في 3 ديسمبر 1997. ففي معرضِ حديثه عن كل هذه المفاهيم قال: “إذا ذهبتم إلى الريف، إلى يامبيو أو ييي، مثلاً، وتحدثتم إلى مُزارعٍ هناك، والذي قد تم “تسيسه” مُسبقاً، عن القوى الحديثة في الشمال، فهو لن يفهم عما تتحدثون. وإذا تحدثتم إليه عن الديمقراطية سيقول: ما نوع هذا الحيوان؟”.
مثّلت ثورة ديسمبر التي أسقطت حكم ثلاثة عقود للإسلاميين نقطةَ تحولٍ في تفكيك مصطلحات القوى التقليدية والإسلامية، من جٍهةٍ، والقوى الحديثة، من جِهةٍ أخرى، حيث أضحى الصراع بين ما أطلقت على نفسها القوي “الوطنية” وقوى “الثورة”، أو”لقوى “الديمقراطية والمدنية”. إضافةً، إلى نشأةِ حركات المقاومة المسلحة في دارفور، والحركة الشعبية شمال في جنوب كردفان والنيل الأزرق. فتشكلّ تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير من بعص مكونات القوى التقليدية (حزب الأمة)، والقوى الحديثة (الحزب الشيوعي، تجمع المهنيين، المجتمع المدني)، وحركات الكفاح المسلح التي كانت جزءاً من تحالف نداء السودان. انقسمت قوى إعلان الحرية التغيير على نفسها فانسحب الحزب الشيوعي وفصيل من تجمع المهنيين ليكونا مع أجسام لم توقع أصلاً على الإعلان (الحركة الشعبية شمال وحركة تحرير السودان). ذلك، بينما انتظمت بعض الحركات المسلحة مع بعض أقسام القوى التفليدية (الاتحاد الديمقراطي)، وبعض الكيانات الإقليمية في شرق السودان، في “الكتلة الديمقراطية” وقوى “الحراك الوطني”، والتي انضمت لاحقاً للجبهة “الوطنية السودانية”، وهو تحالفٌ لم يصمُد طويلاً. أما ما تبقى من قوى الحرية والتغيبر، المجلس المركزي (حزب الأمة القومي، المؤتمر السوداني، التجمع الاتحادي، التحالف السوداني)، وفصيل من تجمع المهنيين وبعض الهيئات النقابية وفصائل من الحركات المسلحة والمبادرات المدنية، فقد انتظمت في تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”.
وفي أعقاب الثورة أيضاً، وبعد توغل مليشيا الدعم السريع في المعادلة السياسية وإندلاع حرب أبربل، وفي ظلِ التدخلات الخارجية السافرة، أصبح الصراع السياسي أكثر استقطاباً، فاختلط حابل القوى التقليدية والإسلامية والوطنية بنابل القوى الحديثة والديمقراطية والمدنية. فالآن، انقسمت الحركة السياسية والمجتمعية إلى معسكرين متناقضين متحاربين يسعى كلٌ منهما لفناءِ الآخر، بمعيار الموقف من مليشيا الدعم السربع، من جانبٍ، والموقف من الجيش وقيادته ومن الإسلاميين، من جانبٍ آخر.
[ad_2]
Source by حركة المستقبل للإصلاح والتنمية – السودان
مُصطلحات جديدة دون الخوضِ في تفاصيل، وصلت معارضة القوى التقليدية والأخوان المسل…
Leave a Comment


