[ad_1]
مليون نعم لفك الارتباط التجاري والاقتصادي مع الإمارات
استمعتُ باهتمام بالغ وبشيء من الغبطة لحديث
فيديو الأخ #معمرموسى حول مسألة قطع العلاقات الاقتصادية مع دولة الإمارات
ومن الواضح أن معمر قد تأثر إيجاباً بأجواء نقاشات الشاي والقهوة التي دارت بيننا أمام “صينية ترانزيت”، وعلى موائد “الويكة أم ضبان كتير” والعصيدة التي تؤكل بلا ملاعق في سوق بورتسودان . يبدو ان هذه الجلسات البسيطة حملت في طياتها أفكاراً كبرى في عقل معمر عن استقلال القرار الاقتصادي .
وبالرغم من أن معمر حاول اضفاء مسحة سياسية براغماتية على الموضوع وهو شأن كل السياسيين الصاعدين، وكذلك بدت خارطة التنفيذ التي طرحها ضعيفة بحكم عدم تخصصه في الشأن التجاري واللوجستي، إلا أن المبدأ الذي ارتكز عليه يظل صائباً تماماً .
ولكن دعنى أن اتجاوز معمر وصفاته السياسية والذهاب إلى الموضوع .
نعم فإن أي محاولة جادة لفك الارتباط التجاري والاقتصادي مع الإمارات ووهي دولة لا تصنع ما ينفع بقدر ما تمثل مخزناً وسيطاً للمنتجات ـ ستعود على بلادنا بفوائد تجارية ضخمة. ذلك أن الاستقلال التجاري يعني تقليصاً واسعاً لمنافذ الفساد، وردعاً لنهب الموارد، وفتح الطريق أمام بناء قاعدة إنتاج وطنية متينة.
وهذا يتطلب بالضرورة مراجعة شاملة وتبسيطاً للقوانين التجارية والصناعية الوطنية بما يسهل حركة الإنتاج ويزيل العقبات البيروقراطية أمام المستثمر المحلي. كما أن تطوير الخدمات البنكية وإعادة الثقة في الجهاز المصرفي المحلي يُعدّان حجر زاوية لأي نهضة اقتصادية – إذ لا يمكن لأي مشروع وطني أن ينهض في ظل تهريب مستمر للدولار للامارات وانعدام الثقة في البنوك الوطنية. ومن هنا يصبح ضبط سوق الصرف الأجنبي، وتجفيف منابع التهريب، وإعادة هيكلة النظام المصرفي خطوات لا تقل أهمية عن تقليل التبعية التجارية للخارج.
من الفوائد الأخرى التي يمكن أن تجنيها بلادنا من تقليل الاعتماد التجاري على الإمارات، هو التوجه المؤقت نحو مراكز لوجستية ناشئة في عدد من الدول، يمكن الاستفادة منها لتأمين احتياجاتنا الاستراتيجية ريثما تُبنى قواعدنا الإنتاجية الوطنية.
فالعالم اليوم يشهد تعدداً في المراكز التجارية واللوجستية، من تركيا إلى إثيوبيا، ومن كينيا إلى ماليزيا، وهي مراكز تسعى لاستقطاب شركاء جدد عبر تقديم خدمات تخزين وشحن ونقل بتكلفة منافسة. إن استخدام هذه البدائل بذكاء ومرحلية سيمنح السودان وقتاً ومساحة لترتيب بيته الداخلي، وبناء شبكة لوجستية وطنية مستقلة، بعيداً عن الهيمنة التي مارستها بعض الدول لعقود طويلة.
كذلك، يمكننا أن نخطو أبعد من مجرد الاستفادة المرحلية من المراكز اللوجستية الخارجية، عبر الشروع في بناء مشروعنا التجاري ـ اللوجستي القومي، الذي يشمل تطوير الموانئ والمناطق الحرة، وإعادة تأهيل السكك الحديدية وشبكات النقل، وبناء المخازن والصوامع الوطنية، إلى جانب إطلاق منصات رقمية للتجارة وتطوير المطارات والشحن الجوي.
هذا المشروع القومي ليس حلماً بعيد المنال، بل هو استثمار استراتيجي يعيد صياغة دور السودان في التجارة الإقليمية والدولية. فإن موقع السودان الجغرافي الفريد ـ المطل على البحر الأحمر، والواصل بين إفريقيا والعالم العربي ـ يؤهله ليكون جسراً تجارياً ولوجستياً. إذا ما استثمرنا في هذا المجال بجدية، فإننا لا نحقق فقط استقلالنا عن المراكز الوسيطة مثل الإمارات، بل نتحول نحن أنفسنا إلى مركز جذب، فنصدر لا الموارد الخام فحسب، بل الخدمات اللوجستية ذات القيمة المضافة.
وعليه، فإن المطلوب هو إعداد (رؤية اقتصادية متكاملة ) – ودي حاجة ساهلة اذا توفرت الداتا – لوزارة الاقتصاد والتجارة تضم وزارة المالية وبنك السودان والأمن الاقتصادي والمنافذ والموانيء، تستند إلى دراسات دقيقة تشمل جميع القطاعات الإنتاجية والتجارية والخدمية. رؤية تُقاس فيها كلفة التبعية مقابل عائد الاستقلال، وتوضع لها خطط عملية لضبط التهريب، وإصلاح القوانين، وتحرير البنوك من ضعفها المزمن، وتوجيه الموارد نحو التنمية الحقيقية. وتلك مهمة وطنية ، ومشروع اقتصادي خالص ينبغي أن تتبناه العقول المتخصصة بجدية تامة.
[ad_2]
Source


