[ad_1]
#أحمد_عثمان_جبريل ..
#يكتب:
حين تبحث وزارة عدل عن عدالة في أقفاص الحيوانات بينما شعبها يُذبح في العراء ومشرد في الاصقاع .. يا لها من مفارقة
في خطوة تفتقر لأدنى درجات الكياسة، و الحس السياسي والوطني، أعلنت وزارة العدل السودانية شروعها في رفع دعوى قانونية ضد حديقة حيوان أمريكية، لاسترداد حيوان “وحيد القرن الأبيض” الذي أُرسل إلى هناك منذ عقود في إطار اتفاقية تبادل.. فكرة عبثيةٍ لا تشبه سوى مشاهد السخرية او ما يسمى بالكوميديا السوداء.. من يفكر لهؤلاء، من يفكر لهذه الحكومة، بل من يفكر لوزارة العدل ؟ .. إنه لخبر عجيب، مزلزل في توقيته، مخزٍ في رمزيته، فقد تلقفته وكالات الأنباء العالمية، ونشرته معظم صحف العالم: “السودان يرفع دعوى لاسترداد وحيد قرن أبيض من حديقة حيوان في سان دييغو!” أيعقل هذا؟ أحقًا أن دولتنا الرشيدة، التي غاب فيها الإنسان عن أبسط معاني الحماية والكرامة، باتت تصرخ بأعلى صوتها من أجل استرداد حيوان؟!
هذه الخطوة، ياسادة ورغم رمزيتها البيئية، جاءت في توقيت لا يمكن وصفه إلا بالمجحف والمستفز لشعور ملايين السودانيين الذين يرزحون تحت وطأة حرب مدمرة، وتشرد جماعي، وواقع إنساني مأساوي لا يليق بشعبٍ له تاريخ من العزة والكرامة.
هذا ليس تقليلاً من شأن حماية الحياة البرية، ولا طعناً في قيمة الموروث البيئي، الذي يفخر وتزخر به بلادنا، ولكن، من العار أن تُستنهض كل هذه الحمية القانونية والدبلوماسية من أجل “وحيد القرن”، بينما يذوي الإنسان السوداني على قارعة الجوع، يتوسل الممرات الحدودية هربًا من القصف، ينام على حافة المخيمات بلا غطاء، بلا وطن، بلا دولة تسأل عنه..ذلك الإنسان السوداني، الذي كانت كرامته جزءًا أصيلًا من تكوينه الوطني والاجتماعي، يُهان اليوم داخل وطنه وخارجه.. الآلاف من المواطنين يتعرضون للاعتقال خارج مظلة القانون، ويُقتادون إلى أماكن احتجاز تابعة لمليشيات وقوى عسكرية خارجة عن السيطرة القضائية، ويُصفّى بعضهم بدمٍ بارد دون أن يُعرضوا على محكمة أو يُوجّه إليهم اتهام.
أين وزارة العدل من هذا؟ .. أليس الأولى والأوجب لوزارة العدل، قبل الدفاع عن الحيوانات، أن تدافع عن كرامة الإنسان السوداني؟ ما هذا التفكير ؟ أين كانت عدالتكم حين انهارت المدن على رؤوس ساكنيها؟ أين هي محاكمكم عندما تحوّلت المدارس إلى ثكنات، والمستشفيات إلى ساحات رعب؟ من يحمي الفتيات من الاغتصاب في المدن غير الآمنة و المعسكرات؟ من يُجبر الميليشيات على وقف القتل؟ من يُطعم الجياع في الفاشر وكادوقلي وجبال النوبة، وحتى أمدرمان، ويؤمن لهم الدواء، ويعيد الحياة في الخرطوم والمنظومة الصحية؟ أليس من اختصاصها، بل من صميم مسؤوليتها الدستورية، أن تتقصّى مصير آلاف المختفين قسرًا في معسكرات المليشيات؟ أن تلاحق الجهات التي تنتهك حرمة البيوت، والمستشفيات، دون مساءلة؟
أليس أولى بها أن تفتح تحقيقات في بيوت الأشباح الجديدة التي أعادت إنتاج ممارسات نظام المؤتمر الوطني، ولكن تحت مسميات ورايات مختلفة؟
إن التراخي المؤسسي في مواجهة الجرائم المستمرة، لا سيما في مناطق النزاع، يُعد خيانة لأرواح السودانيين الذين ينادون بالعدالة الحقيقية، لا العدالة الانتقائية. فبينما تسارع الوزارة لفتح ملف يتعلق بحيوان غائب منذ التسعينيات، تُغلق أعينها عن آلاف القضايا التي تمس جوهر العدل وسيادة القانون، وهي تتجاهل عن عمد أو تواطؤ واقعًا يندى له الجبين.
إن العدالة لا تُقاس بمدى صراخ الدولة في المحاكم الدولية، بل تُقاس بمدى إنصافها لمواطنيها في الداخل، ومدى جرأتها على مواجهة الواقع الصعب، لا الهروب منه في قضايا جانبية.. فالسوداني الذي كان يزرع ويُعلم ويبني، صار اليوم مشردًا، مكسورًا، يحمل أوراقه الثبوتية كمن يحمل عارًا لا هوية.. يطارد لقمةً في مصر، أو فتات كرامة في تشاد، أو سلامة جسدٍ في الجنوب.. ألم يكن من الأولى أن تستردوا البلد كله قبل أن تستردوا حيوانًا؟
السودان وشعبه المغلوب على أمره، بحاجة إلى وزارة عدل تستحق اسمها، لا إدارة علاقات عامة تنشغل بالعناوين الفضفاضة والملفات الرمزية.. السودان وشعبه بحاجة إلى مؤسسات عدلية تُوقف هذه الحرب اللعينة، وتفتح ملفات الجرائم، وتُحاكم القتلة، وتعيد للمظلومين حقوقهم، لا إلى من يتحدث عن “إنجاليفو” بينما يُصفّى “محمد، وعلي، وفاطمة” في زنازين المليشيات، ويذبحون كالخراف.
تاريخ السودانيين ليس في حدائق الحيوان، بل في تضحياتهم، في حضاراتهم الممتدة، في قراهم التي احترقت، وفي شوارعهم التي جرفتهم الحرب منها. يوم كنّا أسيادًا في أرضنا، نحرث ونغني، نختلف سياسياً ولكننا نحيا، كان السودان يُصنع بالكرامة.. اليوم، ونحن نُسحق تحت رحى أطماع العسكر والمليشيا، لا نطلب كثيرًا، فقط: أوقفوا الحرب.. أوقفوا الحرب وفرّوا الأمان، صونوا ما تبقى من كرامة هذا الشعب.
إننا ومن واقع مسؤلياتنا كسلطة رابعة، تراقب التاريخ وتوثقه، نقولها بمرارة، لا انتقاصًا من القيم البيئية ولكن دفاعًا عن الكرامة:
إذا أصبح استرداد وحيد القرن أولوية، بينما يُهدر دم الإنسان، وكرامته فاعلم أن الدولة فقدت بوصلتها، وأن العدل صار حبرًا على ورق، وأن الوزارة المعنية بإنصاف المظلومين، باتت منشغلة بالقشور، تاركة الجراح تنزف في صمت قاتل.
فليعد “إنجاليفو” أو لا يعد، فليأكلونه أو يحنّطوه، لا فرق، لأن الكارثة ليست في حيوان مسلوب، بل في دولة مسلوبة، دولة بلا قلب، وحكومة بلا أولويات، ووزارة عدل تبحث عن العدالة في أقفاص الحيوانات، بينما شعبها مسلوب، وبعضه يُذبح في العراء.. إنا لله ياخ .. الله غالب.
#وحيد_القرن_انجاليفو
#وزارة_العدل_السودانية
#اوقفوا_الحرب
[ad_2]
Source


