#الانهيار_والتعافي
يواجه السودان اليوم مرحلة حرجة ومفصلاً تاريخياً قد يحدد مصيره لعقود قادمة.
فبينما تتجه التطورات الحالية نحو سيناريو الانهيار الشامل، لا تزال هناك نافذة ضيقة لإمكانية التعافي المشروط، وهو ما يتطلب قراءة عميقة للواقع المظلم الذي تعيشه البلاد.
أدت الحرب الدائرة في السودان إلى تدهور غير مسبوق في جميع القطاعات.
فبعد عقود من التقدم التنموي، أصبحت البلاد اليوم في حالة “لا دولة”، حيث عجزت القيادة الحالية في هزيمة التمرد بشكل كامل، وهي المتسبب الرئيسي في إطالة أمد المعركة لأسباب شخصية.
هذا الوضع المزري لم يؤدِ فقط إلى تدمير البنية التحتية، بل تسبب أيضاً في تراجع كبير في نصيب الفرد من الناتج الإجمالي، مما يضع السودان على حافة التقسيم الفعلي.
إن الآثار الاقتصادية للحرب عميقة وممتدة ولن تنتهي تلقائياً بهزيمة التمرد، بل تتطلب جهوداً جبارة لإعادة البناء وهو ما قد يستغرق سنوات طويلة.
أن التعافي الاقتصادي قد يستغرق ما بين 15 إلى 20 عاماً، ولكن هذا التقدير يرتكز على شرط أساسي وهو غياب القيادة الحالية، وعلى رأسها البرهان.
أما في حال استمرار نفس القيادة بذات نهج الأداء فإن التعافي الاقتصادي قد يطول ليصبح بين 30 إلى 60 عاماً وقد يكون انهيار الدولة بالكامل هو السيناريو الأقرب.
يتطلب إعادة بناء السودان جهوداً دولية وداخلية منسقة، وتوفير ما لا يقل عن 195 مليار دولار لإعادة الاقتصاد إلى ما كان عليه قبل اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م.
المال وحده ليس كافياً، بل يجب أن يكون جزءاً من خطة شاملة تتضمن ما يلي:
دعم القطاعات الإنتاجية:
يجب أن تركز الخطة على دعم مشروعات الزراعة والثروة الحيوانية، وزيادة صادراتها للأسواق الإقليمية والعالمية، مما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي ورفد الخزينة العامة.
توفير الرعاية الاجتماعية:
يتطلب التعافي الاقتصادي إعادة بناء قطاعي الصحة والتعليم، وتوفير شبكة أمان اجتماعي واسعة النطاق للمتضررين من الحرب.
حماية الاستثمارات:
يجب أن تعمل الحكومة على صنع بيئة استثمارية آمنة ومستقرة، لحماية المستثمرين المحليين والأجانب، مما يشجع على عودة رؤوس الأموال وبناء اقتصاد قوي.
بناء مؤسسات أمنية قوية ومهنية:
يجب العمل على إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وتدريبها على أعلى المستويات، لضمان قدرتها على حماية البلاد من التهديدات الداخلية والخارجية.
لا يمكن فصل الأمن الوطني عن الأمن الاجتماعي. فغياب العدالة الاجتماعية وتدهور الأوضاع الاقتصادية يخلق بيئة خصبة للاضطرابات. لذا، فإن توفير فرص العمل، وتحسين الخدمات الأساسية، وضمان توزيع عادل للثروات، كلها خطوات أساسية لتعزيز الشعور بالانتماء والاستقرار.
إن تقوية الأمن الوطني في السودان ليست مجرد خيار، بل هي شرط أساسي لضمان بقاء الدولة، وحماية وحدتها، وتحقيق تطلعات الشعب في السلام والاستقرار.
عودة البرلمان
إن غياب البرلمان أو إضعافه يؤدي إلى تركيز السلطة في يد فرد أو جهة معينة مما يفتح الباب أمام الفساد والاستبداد.
فالبرلمان هو الجهة التي تضمن الفصل بين السلطات وتحمي مبدأ تداول السلطة وتجعل الحكومات مسؤولة أمام الشعب.
يمثل البرلمان حجر الزاوية في أي نظام حكم حقيقي، فهو ليس مجرد مبنى أو تجمع سياسي، بل هو انعكاس لوعي الأمة، وصوتها الذي يضمن أن تبقى الدولة على المسار الصحيح وليس اختطافها عبر (شخوص) كما نرى جميعاً.
المستشار/ محمد السر مساعد
Source