[ad_1]
** في تاريخ السودان أعلنت حكومات وسلطات موازية لقوى متمردة على الدولة الوطنية عدة مرات، وكان مجرد قيام هذه السلطة التي تقف وراءها حركة مسلحة متمردة على الدولة وتعبر عن قضيتها كقضية كفاح مسلح ثوري، كان مجرد قيام تلك السلطة في مساحة بسيطة لأراض محررة وفق التعبير الشائع كاف لإزعاج الدولة ومنح القضية السياسية رئة تنفس وحياة ويتكفل العالم الخارجي والقوى الإقليمية بدعم قضية ذلك الفصيل. الحركة الشعبية لتحرير السودان أعلنت عن سلطات كثيرة في مناطق سيطرتها منذ التأسيس في العام ١٩٨٣م ولغاية اليوم في منطقة كاودا مثلا.
** ما الذي تغير مع إعلان تحالف مليشيا الدعم السريع مع بقية المتمردين والمتآمرين عن حكومة موازية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تكون هناك نقاط تشابه او اختلاف بين هذه الحكومة المعلنة وبين تاريخ السلطات المتمردة المشكلة بمعزل عن الدولة؟
** لا يمكن بالطبع التقليل من خطورة هذه الخطوة لكن لا يمكن تضخيمها أيضا، وأعتقد أن المسألة برمتها هي مجرد استمرار في الاتجاه السياسي التي قررت جماعة تأسيس المضي فيه حتى النهاية بتنسيق إقليمي واستخباراتي وعسكري. وهو اتجاه: تفكيك وحصار الدولة الوطنية وبذل كل ما يخدم هذا الاتجاه من خلال العمل المسلح والضغط السياسي والإعلامي تحت غطاء إقليمي إماراتي منخرط في تنفيذ استراتيجية محددة نحو السودان. هذا الاتجاه السياسي عبروا عنه من خلال تحالف (تأسيس) ومن خلال التنسيق مع القوى الليبرالية التي كان انقسامها عنهم انقساما تكتيكيا لخدمة ذات الهدف المشترك لأن ذلك الانقسام بين (تأسيس وصمود) يمنح فاعلية لكل طرف لخدمة الهدف المشترك.
** عليه ومن ناحية نحن أمام (تطور خطي) في ذات الاتجاه وليس تطورا نوعي، ولن يكون المطلوب عمليا من هذه الحكومة الموازية سوى أن تقول في الإعلام أنها موجودة، وليس مهما ما تفعله بالضبط، بل وليس مهما أن تبحث عن اعتراف رسمي من جهات خارجية، فعمليا في المرحلة الأولى سيجدون الاعتراف السياسي غير الرسمي ضمنيا، كامتداد للاعتراف الممنوح لتحالف تأسيس وتحالف صمود، وذلك من خلال الإعلام والتصريحات وردود الفعل الدولية، وهذا كاف لهم وخطير، لكنه كان قائما أصلا.
** لكن بطبيعة تغير الظروف التاريخية فإن هذه الحكومة المزعومة أتت في سياق تاريخي مختلف للدولة الوطنية المهددة، ففي السياق القديم وحين كانت الدولة الوطنية قوية فإن مجرد إعلان سلطة موازية هو نجاح لقضية التمرد السياسية، مجرد رقعة صغيرة خارج يد الدولة تسيطر عليها المليشيا كان ذلك كافيا، ولكن اليوم ومع سياقات ضعف الدولة الوطنية فإن بقاء الدولة القديمة ومؤسساتها هو المهم، ليس مهما وجود مساحات للتمرد بل العكس هو الصحيح، وجود مساحات معتبرة للدولة.
** بمعنى أن (القوة القانونية) من خلال القانون الدولي التي تعطي الدولة وجودها كشخصية اعتبارية مدعومة بالوجود الفعلي للمساحة المعتبرة من الأرض، والعمل العسكري لزيادة المساحة كحق قانوني في الدفاع كل ذلك يمنح الدولة سياسيا فرصة كبيرة لترجيح الكفة مع الزمن، خصوصا في حال نجحت في منع وإيقاف الدعم الخارجي للتمرد وفق توافق إقليمي دولي، والأهم في حال استحضار التناقضات العميقة لقوى متمردة غير منسجمة تتحرك قياداتها بجوازات سفر تشادية وجنوب سودانية.
** الخلاصة هذا الفرح الموسمي للمتمردين والمتآمرين بإعلان حكومة موازية مجرد مهرجان سياسي لا معنى له في السياق المعاصر. بالمعني القانوني توجد دولة واحدة هي السودان وهذه حقيقة لن تتغير، وفي الواقع العملي توجد مساحة معتبرة تخصع لنظامية السلطة، ومساحة أخرى تتمرد فيها جماعات غير منسجمة ضد الدولة الوطنية تقاتل فيها الدولة لاستعادتها، والتمرد له سند إقليمي ومتورط في جرائم وانتهاكات وهو من جماعات ضد فكرة الدولة ونظاميتها أصلا. إذن لا جديد فنحن أمام تطور خطي ضمن حالة الصراع الذي تتمسك فيه الدولة الوطنية ببقائها، وستنتصر على تحالف جماعات التمرد وقوى الهدم والتفكيك.
هشام عثمان الشواني
أمين الفكر و الثقافة بحركة المستقبل للإصلاح و التنمية
[ad_2]
Source


