نكران ثم إثبات..
عثمان ميرغني
اجتهدت الحكومة في نفي انخراطها في مفاوضات غير مباشرة مع التمرد، وبعد انكشاف الأمر عبر تسريبات إعلامية، تحولت المعركة إلى محاولة إثبات أن المفاوضات ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية ولا علاقة لها بالآلية الرباعية.
هذا النكران ثم الإثبات يبرهن أن البلاد لا تُدار وفق خطة أو منهج احترافي. الحكومة، بشقيها السيادي والوزاري، تبدو في نظر المواطن السوداني مجرد جهة تملك السلطة وتتحكم في القرار والمصير الوطني بأقل قدر من الكفاءة والأهلية.
هذا الوضع يرفع من قلق المواطنين على مستقبل البلاد القريب والبعيد، في عالم تتنافس فيه الاستراتيجيات والمحاور السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ما الذي يمنع السودان من امتلاك آليات قرار تتبع نهجًا مدروسًا ومدعومًا بقوة من الشعب؟
وما الذي يمنع الحكومة من الاعتماد على مشاركة الشعب في صناعة القرار ودعمه؟ الخطوة الأولى لذلك هي الشفافية وطرح المعلومات بلا تردد أمام الرأي العام.
السلام ليس قرارًا تحتكره الحكومة، سواء بشقيها السيادي أو الوزاري، لأنه يحدد مصير أربعين مليون سوداني. هناك قوى سياسية، غالبها من الإسلاميين، تدّعي أن الشعب السوداني يرفض المفاوضات والتسوية السياسية، إلى جانب مجموعات مستفيدة من استمرار الأوضاع الراهنة وتمديد حالة الحرب لحسابات ضيقة. يُثار غبار كثيف حول المساعي الدولية لإنهاء الحرب بهدف إفشالها، وقد ظهر ذلك مؤخرًا في محاولات النكران المستميتة لما يجري في واشنطن، رغم تصريحات مصادر دبلوماسية في الخارجية الأمريكية عن طبيعة الاجتماعات.
من الحكمة، وقبل فوات الأوان، أن تدرك الحكومة أن وقت غروب شمس الحرب قد حان. لا يمكن السماح لهذه الحرب بأن تنقل ملفاتها إلى العام الجديد 2026، لأن السيناريوهات التي قد تنزلق إليها البلاد قد لا تكون قابلة للاستعادة، وربما تقود إلى طريق وعر من التقسيم.
الرئيس البرهان يتحمل المسؤولية كونه صاحب القرار الأول. في يده أن يصبح بطلا للحرب والسلام معا، لو قاد مساعي السلام باصالة عن بلده، بدلا من أن يُقاد إليها وكالة عن إرادة خارجية تفرض نفسها.
#حديث_المدينة السبت 25 أكتوبر 2025
Source


