أحمد عثمان جبريل.. يكتب:
الهدنة.. جاهزة للتوقيع
❝ السلام ليس غياب الحرب، بل فضيلة في العقل، وحالة من الثقة والعدل.❞
– سبينوزا
1.
في لحظة ما، بدا حلم السودانيين كحالة جماعية ان تتوقف اصوات المدافع وصدى الرصاص في كل مدن السودان .. تلك الاصوات التي بدأت وكأنّها أصبحت جزءًا من روتين سوداني يومي، اعتاد الشعب سماعه، وكأن هذه الحرب أصبحت قانون الطبيعة.. لكن اليوم يلوح في الأفق أمل جديد، ألا وهو:”إعلان عن هدنة قادمة و جاهزة للتوقيع في واشنطن”..هدنة تحمل وعدًا باحتمالية توقف الدم، وتفتح باب الأمل لعائلات تنهكها سنوات النزاع.. لكن هل ستكون مجرد كلمات على الورق أم بداية حقيقية للسلام؟ هذا هو السؤال الذي بدأ يؤرق كل سوداني.
2.
منذ اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، عاش السودانيون مأساة متواصلة، ملايين النازحين داخليًا وخارجيًا، بنى تحتية مدمرة، ومحاولات لوقف إطلاق النار انتهت سريعًا.. لكن المبادرة الرباعية هذه المرة يبدو انها مكشرة عن انيابها، حيث قدمت خارطة طريق واضحة:” هدنة أولية ثلاثة أشهر، تليها خطوات نحو هدنة دائمة، ثم مرحلة انتقالية بقيادة مدنية، ما يجعل توقيع الهدنة ممكنًا إذا توافرت الإرادة الحقيقية.”
3.
لكن إعلان “جاهزية التوقيع” لا يعني أن الحرب توقفت، فالاختبار الحقيقي يكمن في التنفيذ .. فتح الممرات الإنسانية، مراقبة حيادية لوقف إطلاق النار، ضمانات بعدم الانتقام السياسي أو العسكري، وهذه هي معايير النجاح التي تحدد ما إذا كانت الورقة ستصبح حقيقة ملموسة أو مجرد شعار فارغ.
4
في المقابل، هناك من يجد في استمرار الحرب مصلحة، ليس بالضرورة عبر البنادق، بل من خلال النفوذ السياسي أو الاقتصادي أو الديني، وهو واقع يؤكد أن بعض القوى السياسية والإسلام السياسي ستعمل على عرقلة الهدنة قبل التوقيع وبعده، محاولين الحفاظ على امتيازاتهم وتقييد مشاركة الدولة المدنية، وهو ما يجعل الطريق إلى السلام محفوفًا بالتحديات الكبرى.
5.
ولذلك من الطبيعي ان يتساءل القارئ السوداني، السؤال المحوري.. هل هذه الهدنة فرصة حقيقية لإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والمساءلة، أم أنها مجرد وسيلة لإعادة ترتيب النفوذ بين النخب؟ هل سنختار صفحة جديدة من الحرية والأمان، أم نواصل الانقسام الذي استنزف الأمل؟
6.
التاريخ الحديث يعلمنا أن جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة لن تتنازل بسهولة عن السلطة، ورفضها لأي عملية انتقالية مدنية يمثل تهديدًا متواصلاً للسلام، وقد تتحرك سرًا وعلانية لتقويض أي اتفاق، مما يجعل من تنفيذ الهدنة مهمة ليست سهلة، بل معركة سياسية وفكرية قبل أن تكون عسكرية.
7.
الجانب الإنساني أكثر إلحاحًا .. كل يوم تأجيل للسلام يعني أطفالًا نائمين على الأرض، عائلات مشردة، مستقبل يتآكل، ومجتمع دولي غالبًا صامت، يترك السودانيين وحدهم في مواجهة البنادق.. وهذا الواقع الصادم يوجب على كل مواطن أن يعي أن النجاح في السلام لا يعتمد على الورق، بل على الممارسة اليومية للعدالة والإنسانية.
8.
النجاح الحقيقي للهدنة لن يُقاس بالتوقيع فقط، بل بفتح الممرات الإنسانية، عودة النازحين، مشاركة سياسية حقيقية، شفافية ومساءلة، وحرية التعبير. أي إخفاق في هذه الخطوات سيكتب على أنه ليس فقط فشل العسكريين في الميدان، بل أيضًا فشل من في الغرف المغلقة الذين لم يمدوا يد السلام.
9.
المعلومات المؤكدة من مصادرنا الدبلوماسية تقول، ان إعلان “الهدنة جاهزة للتوقيع” هو نداء إلى العقل والضمير السودانيين، إلى الشعب الذي أنهكته الحرب وحلم بالسلام طويلًا، فهو لحظة اختبار حقيقي .. هل سيختار السودانيون كتابة صفحة نهوض الوطن، أم الاستسلام لدائرة الانقسامات التي أطاحت بالأمل؟.
ما يجب أن نقوله هنا:” أن السلام ليس أمنية مؤجلة، بل حقيقة تنتظر من يكتبها بخطوط ثابتة، والتوقيع ليس مجرد نص، بل توقيع على حق الحياة، الحرية، والمستقبل الذي طال انتظاره.. إنا لله ياخ..الله غالب.
#شبكة_رصد_السودان
Source


