#الحوكمةالغائبة
يُعتبر المال العام ملفاً لا يحتمل التراخي والمشهد المالي في الدولة السودانية وبشكل خاصة في الفترة الممتدة ما بعد 11 أبريل 2019م، يشير بوضوح إلى نقطة ضعف محورية تهدد استقرار الدولة برمتها.
الامتناع عن نشر البيانات المالية التفصيلية للعامة وتحديداً الأرقام الفعلية للإيرادات المحققة وأوجه الصرف ، يتزامن مع غياب المجلس التشريعي الانتقالي القادر على مراجعة الموازنة العامة وممارسة الرقابة الفعالة على أداء الجهاز التنفيذي.
هذا المزيج من الغموض المالي والفراغ التشريعي يضع علامات استفهام كبرى حول مصير الثروة الوطنية وحوكمتها ويهدد بتقويض أي أساس للثقة بين الدولة والمواطن والمجتمع الدولي.
لقد ظلت الإيرادات الحكومية منذ التغيير محاطة بسياج كثيف من الغموض، إذ لم تُعرض أو تُعتمد بشكل رسمي من قبل أي هيئة رقابية ذات سلطة دستورية.
أتاح ذلك بيئة غير مواتية للمراقبة المالية السليمة، مما يغذي المخاوف المشروعة حول مدى الانضباط في الإنفاق ويفتح الأبواب أمام احتمالات سوء الإدارة وتسرب الموارد مما اِنعكس في تدهور متوالٍ وملموس في تحصيل الإيرادات العامة.
وتشير التقديرات المبدئية إلى أن السودان قد فقد ما لا يقل عن 80% من إيراداته الكلية بحلول نهاية العام 2024م وهو ما لا يعد مؤشراً اقتصادياً كارثياً فحسب، بل هو دليل على فشل الآلية المؤسسية في المراقبة والتدقيق والمحاسبة.
مع استمرار نزيف الإيرادات ، لا سيما في قطاعات كبرى مثل الذهب والضرائب والجمارك، حيث ظل جزء كبير من ارتباطاتها وتحصيلاتها خارج إطار المراقبة التشريعي لها.
إن المصلحة العليا للدولة ومستقبلها يقتضيان عملاً فورياً وحاسماً لاستعادة المرجعية الدستورية والرقابية وهذا يتطلب إعادة تفعيل وتشكيل هيئة تشريعية انتقالية تمثل الشعب وتمارس سلطة المراجعة والمساءلة.
الشفافية والمساءلة هما العمود الفقري لأي دولة تسعى للعبور من مرحلة الأزمات إلى مستقبل مستقر ومستدام.
أما إخفاء المعلومات المالية يعرقل مسار التنمية ويُكرس حالة عدم اليقين، بينما يمثل الكشف عنها خطوة أولى نحو استعادة الثقة الوطنية والدولية، وحماية حق الأجيال القادمة في ثروات بلادها.
المستشار/ محمد السر مساعد
Source


