ترامب وحماس.. لعبة التصريحات المدروسة لعزل المقاومة عن شعبها
بقلم: شول الدين لام دينق
في السياسة، لا تُقال الكلمات عبثاً، خصوصاً حين تصدر من رجل مثل دونالد ترامب، الذي يُتقن فن توجيه الرسائل أكثر مما يُتقن صياغة الجمل. التصريحات الأخيرة المنسوبة إليه بشأن حركة “حماس” ليست مجرد تعبير عن موقف أمريكي متقلب، بل هي عملية نفسية محكمة صُمّمت بعناية لزرع شرخٍ بين حماس وشعب غزة، وتحويل المقاومة من رمزٍ للنضال إلى عبءٍ على المدنيين.
في الصورة الأولى، يظهر ترامب الهادئ بملامح “الرئيس العاقل”، يقول:
“لم يكن قتل حماس للناس في غزة جزءًا من الاتفاق معها، وإذا واصلت حماس قتل الناس، فلن يكون أمامنا خيار سوى التدخل وقتلهم.”
بينما في المقابل، يظهر ترامب الآخر، الغاضب، المتحمس، قائلاً:
“أعطيت الضوء الأخضر لحماس لفرض الأمن في قطاع غزة بالقوة ومواجهة الجماعات المسلحة.”
هذا التناقض الظاهري ليس ارتباكاً كما قد يظن البعض، بل هو مسرحية محسوبة. ففي عالم الاستخبارات السياسية، تُصنع التصريحات لتؤدي دوراً مزدوجاً: تضرب وتُقنع، تشكك وتُغري، تزرع الأمل وتُفجّره في آن واحد.
الهدف الأول: فصل المقاومة عن الحاضنة الشعبية
من خلال المزج بين الإذن لحماس باستخدام القوة، ثم إدانتها على ذات الفعل، يسعى ترامب إلى إيصال رسالة خفية لسكان غزة:
:حماس لو قعدت حاتقرضكم كلكم.”
بهذه الطريقة، تتحول حماس في المخيال الشعبي – وفق ما يراد – من حركة تحمي إلى حركة تجرّ الخراب. فتصبح العزلة النفسية والسياسية بين الشعب والمقاومة هي النتيجة الطبيعية، دون حاجة إلى رصاصة واحدة.
الهدف التاني: إعادة تشكيل الرواية الدولية
ترامب، بصفته رمز المدرسة الأمريكية في “إدارة الفوضى”، يعلم أن الرأي العام الغربي لا يتعاطف مع من يوصفون بـ”الإرهابيين”، لكنه يتعاطف مع “المدنيين المحاصرين”. لذلك، فإن فصل حماس عن غزة هو الطريق الأمثل لتبرير أي تدخل لاحق، سواء كان عسكرياً أو سياسياً أو حتى إنسانياً مزيفاً.
الرسالة هنا للغرب قبل الشرق:
نحن لسنا ضد غزة، بل ضد حماس التي خطفت غزة.”
الهدف التالت: تهيئة المسرح للصفقة الكبرى
الولايات المتحدة – عبر أدواتها في المنطقة – تحاول منذ سنوات إعادة هندسة المشهد الفلسطيني بما يخدم مشروع “السلام الاقتصادي” الذي طرحه ترامب نفسه في “صفقة القرن”. ولكي تنجح هذه الهندسة، يجب أولاً تدمير الصورة البطولية لحماس، وتحويلها من فاعل مقاوم إلى طرف متمرد فقد السيطرة على الشارع.
وحين يتحقق ذلك، يصبح تمرير أي كيان بديل أو اتفاق سياسي جديد أمراً ممكناً، تحت غطاء “إنقاذ غزة من حماس”.
(خلاصة النضم )
هذه التصريحات ليست زلات لسان، بل حلقات ضمن خطاب استراتيجي أكبر، هدفه تهيئة البيئة النفسية لتفكيك مفهوم “المقاومة” من الداخل.
ترامب لا يتحدث من فراغ، بل يُعيد إنتاج النموذج الأمريكي القديم في أفغانستان والعراق وسوريا: دعم مؤقت لجماعة مسلحة، ثم إدانتها لتبرير السيطرة عليها لاحقاً.
باختصار، ترامب لا يرى في حماس خصماً ولا حليفاً، بل أداة مؤقتة في معادلة الهيمنة. وما بين الضوء الأخضر وتهديد التدخل، يكمن خيط اللعبة الأخطر: إضعاف غزة من الداخل، دون إطلاق حرب جديدة من الخارج.
Source