مع وزير الزراعة
عثمان ميرغني
تشرفت مساء أول أمس بالاستماع والحوار مع وزير الزراعة والري، البروفيسور عصمت قرشي. أكد الوزير أن إنتاج الذرة لهذا العام “ضخم”، ويفوق بكثير احتياجات السودان، خاصة أن مخزون العام الماضي لا يزال متوفرًا في المطامير والصوامع. وأبدى غبطته بقرار وزارة التجارة السماح بالتصدير بعد التأكد من كفاية المخزون.
تتميز الذرة السودانية بجودتها العالية وأسعارها التنافسية، مما يجعلها مرغوبة في الأسواق العالمية. ومع انخفاض الاعتماد عليها محليًا، يصبح تصديرها خيارًا اقتصاديًا مجديًا.
أوضح الوزير أن أولوياته للإصلاح تبدأ بتطوير السياسات والتشريعات المتعلقة بالقطاع الزراعي، معتبرًا إياها العامل الأساسي الذي يحد من فرص التقدم. وفي رأيي، هذا التوجه صائب، إذ يشبه -في عالم الكمبيوتر- تطوير نظام تشغيل يهيئ منصة لإطلاق أفضل التطبيقات.
ومن اللافت للنظر أن مهام وزارة الزراعة تشبه، في تعقيدها، مهام مجلس وزراء مصغر. فهي تتداخل بشكل وثيق مع وزارات أخرى مثل المالية، التجارة، الصناعة، الداخلية، الخارجية، السياحة، التعليم، الصحة، والثروة الحيوانية. ونجاحها يعتمد على التنسيق الذكي والفعال مع هذه الوزارات.
من هنا، أرى أن النظرة الاستراتيجية لمستقبل الزراعة في السودان تتطلب تصميم علاقة مرنة وذكية تربط وزارة الزراعة بهذه الوزارات. وفي عهد الإنقاذ، حاولت الحكومة تحقيق ذلك من خلال تجربتين:
الأولى: “الثورة الخضراء”، التي ركزت على المشروعات الزراعية بشكل مباشر، دون النظر إلى الزراعة بمفهومها الشامل.
الثانية: “النهضة الزراعية”، التي جاءت كمحاولة لتطوير فكرة الثورة الخضراء بعد فشلها. ركزت هذه التجربة على إنشاء مجالس متخصصة للمحاصيل الزراعية، جمعت نخبة من الأكاديميين والخبراء الميدانيين. ورغم توفر السلطة والموارد المالية الضخمة، بقيادة النائب الأول لرئيس الجمهورية، فشلت هذه التجربة بسبب التسييس المفرط وتكليف كوادر سياسية بإدارتها التنفيذية.
من دروس هاتين التجربتين الفاشلتين، يمكن تجنب الأخطاء لبناء رؤية سليمة توفر للزراعة أرضية صلبة للانطلاق نحو النهضة. وقبل طرح وجهة نظري، يجب أن ندرك أن أكبر تحديين يواجهان الزراعة في السودان هما:
1. قوانين الأراضي: تجعل الأرض قيمة اجتماعية أكثر منها اقتصادية، مما يعيق استثمارها.
2. التمويل المالي: شح التمويل وقصر مدته.
تكرس قوانين الأراضي بقاءها دون استثمار بسبب عوامل اجتماعية وسياسية، إضافة إلى الفساد الإداري. ولا سبيل لمعالجة هذا إلا بإصلاح تشريعي، وهو ما أشار إليه الوزير. لكن هذا الإصلاح يتطلب دعمًا شعبيًا واسعًا، يمكن تحقيقه من خلال إبراز فوائد الإصلاح عبر مشروعات رائدة يلمس المجتمع أثرها المباشر. لدي أمثلة قد لا يتسع المجال لذكرها هنا.
أما بالنسبة للتمويل المالي، فقد اقترح الوزير خمسة حلول فعالة لمعالجته بأفضل صورة. سأتناولها لاحقًا…
#حديث_المدينة الأربعاء 15 أكتوبر 2025
Source
