[ad_1]
احمد عثمان جبريل.. يكتب:
استحقها السودانيون.. نوبل: سلام بلا عدالة
في عامٍ يفيض بالتناقضات، تُمنح جائزة نوبل للسلام لعام 2025 إلى شخصيةٍ سياسية أثارت الجدل بمواقفها المنحازة، فيما يُتجاهل من يعملون بصمت وسط ركام الحرب، يوزّعون الأمل كما يوزّعون الخبز والماء.
جائزة نوبل، التي كانت يومًا عنوانًا للعدالة والضمير الإنساني، بدت هذا العام أقرب إلى شهادةٍ تُمنح لا لمن يصنع السلام، بل لمن يحسن الترويج له.
❝ السلام لا يولد من فوهة القوة، بل من رحم العدالة. ❞
— مالك بن نبي
1
وسط قائمة المرشحين الواسعة، برز اسم “لجان الاستجابة الطارئة السودانية” كأحد أبرز المرشحين لنيل الجائزة.. هذه المجموعة الإنسانية نشأت من رحم المعاناة، تعمل بلا تمويلٍ ضخم ولا مظلة سياسية، وتخوض يوميًا معركة الحياة ضد الجوع والموت في بلد أرهقته الصراعات.. كانت تستحق، وبجدارة، أن تُكرَّم عالميًا كنموذجٍ للسلام الصادق.
2
في قلب الخرطوم ومدن السودان الأخرى، لا تملك هذه اللجان سوى أدوات بسيطة، لكنها تصنع بها ما تعجز عنه حكومات ومنظمات دولية: تُنقذ الجرحى، تُؤمّن الغذاء، تُطفئ نيران الخوف بالرحمة. لم تطلب جائزة، بل كانت الجائزة بح د ذاتها في أعين كل من أنقذته.
3
ورغم ذلك، تجاهلت لجنة نوبل هذا الوجه الإنساني المضيء، وذهبت لتكريم ماريا كورينا ماتشادو — السياسية الفنزويلية التي قوبل فوزها بانتقادات حادة، في خطوة أثارت موجة من الانتقادات الحقوقية والسياسية. ورغم أن لها مسيرة معارضة في سياق بلادها، إلا أن سجلها الخارجي، ومواقفها من قضايا إنسانية جوهرية، يجعل فوزها موضعًا للسؤال ليس لأنها لا تملك تاريخًا نضاليًا في بلادها، بل لأنها تحمل في مواقفها تناقضًا صارخًا مع جوهر الجائزة نفسها.
4
ماريا التي وقفت ضد القمع في فنزويلا، وقفت أيضًا إلى جانب قوى الاحتلال في فلسطين، مؤيدةً مواقف تمارس القهر ذاته الذي يفترض أن تقف ضده.. دافعت عن حرية شعبها، لكنها صمتت أمام قتل الشعوب الأخرى. فهل يكون السلام انتقائيًا؟ وهل تُمنح جائزة العدالة لمن يغض الطرف عن ظلمٍ آخر؟
5
كيف يمكن لجائزة نوبل أن تتجاهل هذا الصراع الأخلاقي؟ أطفال غزة الذين يموتون جوعًا وتحت الأنقاض، هل كانوا خارج حسابات اللجنة؟ أليست دماؤهم أيضًا جزءًا من معادلة السلام التي ترفعها الجائزة شعارًا؟.
إن سلامًا لا يرى فلسطين، هو سلام أعور. وإن جائزة لا ترى المجازر المتكررة في غزة، ولا تسمع صرخات الأطفال تحت الركام، تفقد جوهرها الأخلاقي مهما تلألأ اسمها على ورق.
6
اختيار ماريا ماتشادو يُظهر بوضوح خللًا في معايير لجنة نوبل. فبدل أن تكون الجائزة تعبيرًا عن النقاء الإنساني، أصبحت مرآةً للانتقائية السياسية، فيما يتم تكريم من يتماهى مع مصالح الكبار، وتُغفل قصص الشجعان الذين يعملون في الظل.
لقد كشفت هذه المفارقة عن ازدراء مستتر تجاه حركات المقاومة السلمية في الشرق الأوسط، وكأن التضحية لا تُقدّر إلا إذا جاءت من منطقة سياسية “مرغوبة”.. أما أن تكون الضحية سودانية أو فلسطينية؟ فالألم حينها لا يحظى بالشرعية الغربية الكافية.
7
السودانيون الذين واصلوا التظاهر السلمي رغم الرصاص، الذين أعادوا ترتيب الأمل رغم الفقد، والذين ما زالوا يؤمنون بأن العمل التطوعي مقاومة راقية، أولئك أولى بنوبل ألف مرة. لأنهم لم يرفعوا السلاح، بل رفعوا الوعي، ولم يطلبوا الشهرة، بل استبدلوها بالإنسانية.
في قلب الخرطوم ومدن السودان المختلفة، شباب وشابات سودانيون أنقذوا آلاف الأرواح، وواجهوا قمعًا مضاعفًا، وواصلوا رغم الخذلان العالمي. هؤلاء هم من جسّدوا السلام بأفعاله، لا بشعاراته، وهم من حوّلوا المأساة إلى وعي جماعي يُعلي من شأن الحياة
8
نوبل، التي حملت يومًا أسماء عظيمة في النضال السلمي، بدأت تفقد هيبتها حين صارت أقرب إلى “تكريم سياسي”، لا استحقاق إنساني.. وصار القرب من مراكز القوة معيارًا ضمنيًا للفوز، لا الإخلاص للقيم.
لقد تحوّلت نوبل اليوم إلى جائزة تُمنح على المقاسات، جائزة فقدت عذريتها الأخلاقية، ونسيت أنها وُجدت لتكرم من يُنقذ الحياة، لا من يُبرر سلبها.. أين كان صوت العدالة حين كان السودانيون يُطعمون الجائعين تحت القصف؟ أين كانت نوبل حين كان الفلسطينيون يُدفنون تحت الركام؟
9
لجنة نوبل قد اختارت من شاءت، لكن هناك لجنة أخرى لا تخطئ: ضمير الشعوب.
السودانيون منحوا “لجان الاستجابة الطارئة” جائزة أسمى من الذهب والبرونز: :وسام الإنسانية”.. فهم الذين يعرفون قيمة السلام لأنهم ذاقوا طعم الحرب، ويمنحون الحياة لأنهم تجرعوا مرّ الفقد.
سيستمر عمل نوبل، نعم، لكن في صدور هؤلاء الشباب، تسكن الجائزة الحقيقية — “جائزة الشعب للسلام.”
بقى ان نقول:”لجنة نوبل ستواصل اجتماعاتها المغلقة وتوزيعها للجوائز، لكنّ التاريخ يعرف الحقيقة:” أن منقذي الأرواح في السودان، لا منقذي الساسة في المؤتمرات، هم من يستحقون أن يُكتب اسمهم في سجلّ الخلود.
أما معايير نوبل للسلام اليوم، فقد تحوّلت إلى سلعة.. اشتراها من لا يستحقها.”
إنا لله ياخ.. الله غالب .
#شبكة_رصد_السودان
[ad_2]
Source


