إذا سألت أي سوداني اليوم: “ما هي مشكلة السودان؟”
سيأتيك الجواب فورًا : الحرب، الفقر، الفساد، غياب العدالة، المليشيات، التدخلات الخارجية… وكلها صحيحة في ظاهرها.
لكن، رغم صحتها، هل تُعد هذه حقًا “المشكلة الأساسية”؟ أم هي مجرد نتائج تنبع من جذور أعمق للمشكلة؟!.
كيف نعرف جذور المشكلات وكيف نرتب المشاكل من حيث الأولوية ؟
الإجابة الأصح لا تأتي من الشعور العام او رؤيتنا الشخصية بل من التحليل والبحث العلمي. نعم، البحث العلمي… هذه الكلمة الغائبة عن قاموس الدولة السودانية لعقود.
في فبراير 2025، البرهان – في خطاب – أقر بضعف البنية البحثية في السودان، ودعا إلى تأسيس مراكز بحوث حقيقية تُرفد الاقتصاد والسياسة والمجتمع السوداني بالمعرفة. وقد بدا ذلك، ولو متأخرًا، كاعتراف بأن ما نحتاجه اليوم ليس فقط البندقية، بل العقل الذي يرشد البندقية أو يحل القضايا من دون صوتها. المجد يا برهان ليس للبنادق ولا للساتك المجد “لصوت العقل والمعرفة والعلم”.
فأين هي مراكز البحوث؟
أين المؤسسات التي تقوم بمهمة تشخيص جذور الأزمة السودانية من منظور علمي منهجي؟
للأسف، لقد دمر نظام الإنقاذ – وربما من كان قبله ومن أتى بعده – كل بنية معرفية كان يمكن أن تقود السودان نحو حلول حقيقية.
في السودان، البحث العلمي بلا ميزانية، بلا بيئة حاضنة، بلا اعتراف سياسي بقيمته.
الجامعات حتى قبل الحرب كانت مجرد مبانٍ خاوية إلا من الشهادات، والباحثون إما هاجروا، أو تم تهميشهم، أو أُقصوا .
الأدهى من ذلك، أن النخبة السياسية السودانية نفسها تعاني من ضعف في التكوين. كثير من الناشطين والسياسيين – دون تعميم – هم “جربندية”، لا يفهمون علم السياسة، ولا يعرفون شيئًا عن تطورات السياسة الإقليمية والدولية. كل أدواتهم نابعة من تجارب شخصية وموروثات حزبية، و يتوقعون نتائج مختلفة باستخدام نفس الأدوات القديمة الفاشلة تاريخاً وحاضراً.
أما عن المراكز البحثية الغربية، فحدث ولا حرج.
رغم توفر الإمكانيات التقنية والمالية، إلا أنها تعتمد على بيانات غير ممثلة للشعب السوداني وباحثين محليين غير محايدين، وتُحرر تقاريرها بما يتماشى مع توجهات الجهات الممولة، أو بحساب المصالح لصانع القرار الغربي أو الإقليمي.
الحل:
أن تُخصص ميزانية واضحة للبحث العلمي،
وتنشأ عشرات المراكز البحثية الجادة.
وأن يُصبح القرار السياسي معتمدا على المعرفة،
لا على ضغوط الشارع… ولا ضغوط “الرّدحي”.
فحين يكون القائد مؤمنا وواثقا أن قراراته في مصلحة الوطن،
سيمتلك الشجاعة لمواجهة الشعب بها،
حتى وإن خالفته فئة من الناس.
فالمصلحة الوطنية لا تقاس بالشعبية، بل برؤية بعيدة، تستند إلى العلم والعقل والمسؤولية.
Source