بسم الله الرحمن الرحيم
الحكومة المدنية و فخ الرباعية
أبوذر علي الأمين ياسين
الواضح أننا و منذ حكومة الفترة الانتقالية الاولى نخوض معركة تدور حول الشرعية، و أن التغيير الذي وقع نتيجة لثورة ديسمبر 2018 كان نتيجة خطة هدفها الاوحد هو نزع الشرعية عن كل الاطراف السودانية و إحلال شرعية دولية كاملة تُخضع كل شعب السودان و دولته و قواه السياسية لها خضوعاً كاملاً. و أن هذه المهمة انتدب لإنفاذها عبدالله حمدوك، كون الرجل لا يملك أي خلفية يمكن أن تدعم ظهوره في المسرح السياسي السوداني من أي نوع أو مستوى، بينما الخبرات التي يملكها ارتبطت بالمنظمات الدولية و مثلت كل مسار حياته المهنية. وكل الرصيد الذي حمله كان رفضه لمنصب وزير المالية في آخر حكومة لنظام الانقاذ، وكان هذا التعيين و الرفض وقتها مرتبط أساساً بذات المشروع الذي أتى به رئيساً لوزراء المرحلة الانتقالية، بل كان رفض المؤتمر الوطني تعيين حمدوك رئيسا للوزراء و بدلا عن ذلك تعيينه وزيراً للمالية أحد أقوى الأسباب التي عجلت بالثورة و انهاء نظام الانقاذ لفشله في تمرير (مشروع إخلاء السودان لتتحكم فيه شرعية دولية)، و تلك قصة نرجو أن تسمح لنا الايام بروايه مسارها الذي بدأ بعد محادثات أبوجا العام 2006 مرورا بالاعلان الرسمي لقوات الدعم السريع العام 2013 و اعتماد برلمان الانقاذ قانون الدعم السريع العام 2017، ولم ينتهي حتى مع الحرب الحالية.
بعد استلام حمدوك منصبه رئيساً لوزراء حكومة الفترة الانتقالية كان أول ما قام به هو تقديمه طلب تحويل بعثة الأمم المتحدة يوناميد بدارفور إلى بعثه عُرفت باسم يونيتامس تشمل كل السودان و تعمل تحت البند السادس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان. وكل أداء حمدوك منذ تلك المرحلة و حتى الان مع صمود ظل ضمن هذا الاطار. نقصد أن حمدوك أتي ضمن مشروع دولي و تحت مظلة دولية كانت مهمة تأسيسها و تفعيلها يقع على عاتقه بمجرد أن يستلم منصبه رئيساً لورزاء المرحلة الانتقالية. و انجز الرجل مهمته بكفاءة و اقتدار وظل يدعم في خط المشروعية الدولية بعد استقالته الشهيرة بالادوار التي ظل يلعبها مع تقدم و حتى صمود.
الآن بات واضحا أن مسار هذه الخطة يعتمد على القوى المدنية التي كانت تمثل قوى الثورة و التي ارتكز عليها مشروع نزع الشرعية و ابداله بشرعية دولية تقبل فيه و ترتضي قوى الثورة المدنية ب(حكومة مدنية) تظل منزوعة الشرعية حتى اذا نجحت الخطة في فرض شرعية دولية على السودان. يدلل على ذلك أنه حتى بعد انهاء بعثة الامم المتحدة يونيتامس التي انهتها حكومة السودان العام 2023 بعد الحرب، لم تنتهي محاولات فرض ذات المشروع عبر الرباعية التي تظهر في الساحة الاْن مستندة على ذات حجج القوى المدنية و مطالبتها بحكومة مدنية و حماية المدنيين من آثار الحرب كأساس و زرائع تسمح لذات مشروع نزع الشرعية عن السودان كدولة أن تعود و تعيد تفعيل مشروعها الذي لم يكتمل بسبب الحرب و أساسا بسب فشل القوى المدنية في بناء أكبر تحالف من القوى السياسية و المدنية يسمح بتمرير مشروع نزع الشرعية و تأسيس شرعية دولية بتغييب قوى الثورة و شعب السودان من بعد ذلك.
أصلا كان الدعم السريع معد ليكون الادأة الاساسية التي تكمل دور القوى المدنية بعد الثورة، و يعمل في مسار يدعم مشروع حمدوك في فرض شرعية دولية عبر نشر الفوضى و التجاوزات التي تسمح للقوى الدولية بفرض التدخل بدعاوى حماية المدنيين في حالة أي ثغرة أو فشل لحمدوك أو تطور للاحداث في اتجاه يضر بانفاذ الخطة. لكن مهمة الدعم السريع الاساسية و التي اعد لها منذ العام 2007 هي مواجهة الجيش في حالة معارضته لخطة القوى الدولية، و احلال محله في حالة نجاح الخطة ولو تعاون الجيش في انفاذها. و هذا هو الخط الذي تبنته بصورة غير معلنه وثيقة الاتفاق الاطاري. و مهمة الدعم السريع هي ابقاء البلد في حالة فوضى و حرب تسمح بتمديد شرعية القوى الدولية الى فترات غير محددة تسمح لها بانفاذ كل خططها المستهدفة للسودان لو بقي السودان في حالة حرب يقودها عدد متجدد من لوردات الحرب يتقسموا البلاد و يبقوا فيها مدعومين سرا بسلاح يسمح لهم بالاستمرار في الاقتتال بينهم و يكون بذلك نجح الدعم السريع في المهمة التي اعد لها ليصير في حالة نجاحه هو الآخر مجموعة قادة متحاربين كل في منطقته اسنادا و دعما للشرعية الدولية التي لن تترك حتى للقوى المدنية الطامعة في (حكومة مدنية) مجالا أو حظ من شرعية ولو اسميا. أما حكومة تأسيس فهي جزء من دور ومهام قوات الدعم السريع تدعم دور القوى الدولية في اعادة فرض مشروعها من جديد، بما في ذلك السماح بمساحة للقوى المدنية بمجال بالطبع ضمن ذات مشروع القوى الدولية.
مطالبة صمود بالحكومة المدنية، ولو بإعادة التحالف الأول بين المكونين المدني و العسكري – المكون العسكري يمثل الجيش و الدعم السريع- يعني أن قوى الثورة منذ أن كانت قوى التغيير وحتى صمود مصرة على دعم مشروع نزع المشروعية من كل السودان وكل مؤسساته و قواه بما فيها هي ذاتها و قبولها أن تكون الحاكم المستقيل أو المستسلم للقوى الدولية.
لو لم تبتعد قوى الثورة التي تسيدت المشهد بعد انتصار الثورة وقادت حكومتها الاولى عن خط الثورة و الشارع المطالب ب(نظام مدني) بعد اعتراضه على حكومة الشراكة المدنية بما يعني رفضه لأي (حكومة مدنية في شراكة عسكرية مع المكون العسكري أو أحد اطرافه)، الذي مثلته مطالبة الشارع برجوع الجيش لثكناته وحل الجنجويد، و اهمال قوى الثورة للشارع و الجماهير وقبولها الخانع و الخاضع بلا حدود لمشروع نزع المشروعية لصالح قوى دولية أو اقليمية، لكان الامر كله و المسار مختلف. لكن الواقع الأن يتجه إلى خيارين إما حكومة عسكرية بسبب الصراع الذي انفجر بين المكون العسكري في حالة انتصار أيهما. أو شرعية دولية لا مجال معها لأي طرف سوداني ولو كان مدنيا للحكم أو التأثير فيما تراه و تريده للسودان و شعبه، و أداتها (الدعم السريع) سيتحول وفقا للخطة لمجموعة لوردات حرب تتوزع عددا من المناطق و تدير فيها حرب بينها لا تعرف التوقف و بدعم من ذات القوى الدولية بما يحقق و يدعم وضعيتها و احتكارها للمشروعية في السودان، و يرفع عنها حتى حرج محاكمة الدعم السريع على ما اقترف من جرائم و تجاوزات باعتبار أنه لم يعد هناك دعم سريع بل قوات متعددة و متحاربة عاجزة تلك القوى الدولية عن حسمها لان هذا هو بديل القوى المدنية و (الحكومة المدنية) لدعم شرعية وجودها و استمرارها في السيطرة على السودان و أهله.
يجب أن يظل (النظام المدني) هو المطلب و الهدف و ليس (حكومة مدنية) يمكن أن تكون تحت سيطرة العسكر أو قوى دولية.خاصة و أن النظام المدني يسمح أولا بإستعادة الثورة روحها و شارعها و وجهتها و أكثر من ذلك أداتها في حالة انتصار قوى عسكرية في الحرب الحالية لان ذلك يبقى المطالبة و المعركة قائمة تحت ذات الشعار (الجيش للثكنات و الجنجويد ينحل)، و يكون التحدي هو بناء نظام مدني قابل للبقاء و الاستمرار و قابل للتطور و التغيير. تضطلع به القوى المدنية التي يجب أن تخوض معركتها تحت سقف دولة السودان و تؤسس مع بعضها البعض نظاما للحكم مقبول بينها و محمي بها جميعا و يجب أن لا يغيب طرف أو قوى عن هذه المعركة التي ستؤسس لمستقبل السودان و أجياله القادمة. في ذات الوقت يؤسس جيش واحد يضم وفقا للأسس و النظم المعمول بها للدمج و التسريح لحسم أمر وضع المؤسسة العسكرية ضمن مشروع النظام المدني كما عبرت عنه الثورة بعودة الجيش لثكناته .
Source