الجريدة هذا الصباح..
بعثة تقصّي الحقائق تهزم الدبلوماسية الكيزانية وتفرض وجودها من جديد، رغم الرفض القاطع لها من الحكومة، مما يؤكد أن لا هروب من العدالة!!
أطياف
صباح محمد الحسن
تمديد!!
طيف أول:
كل رهان لم ينم قبل الجميع، استيقظت قبله الأرواح التي أرهقها الوجع!!
وبالرغم من انسحاب كل من كينيا وإثيوبيا من التصويت لصالح قرار تمديد ولاية بعثة تقصّي الحقائق في السودان، فقد صوتت إثيوبيا ضده وامتنعت كينيا، إذ يبدو أن الأولى تريد أن تقدّم السبت في قضية سد النهضة، والثانية حتى لا تفقد الود بينها وبين الدعم السريع، إلا أن القرار نال تأييد 24 دولة، مقابل اعتراض 11 دولة، وامتناع 12 أخرى عن التصويت، في مشهد يعكس توازنات دقيقة داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي أعلن من مقره في جنيف تمديد عمل البعثة لعام إضافي.
ومن اللافت في جلسة الأمس تصويت كولومبيا لصالح القرار، رغم الاتهامات المتكررة من حكومة السودان بشأن تورّط مرتزقة كولومبيين في النزاع المسلح، ما يعكس استقلالية القرار الكولومبي عن تلك الاتهامات، ويؤكد التزامها بالمبادئ الحقوقية.
كما أشار المجلس إلى الدور الحيوي الذي اضطلع به المدنيون في الدعوة إلى وقف الحرب، مثمنًا جهودهم في الدفع نحو السلام، وخصّ بالذكر تحالف القوى المدنية “صمود”، وهي الإشارة التي واجهت اعتراضًا من ثلاث دول إفريقية، إلا أن الأغلبية أيدتها، تمامًا كما حدث مع الفقرة المتعلقة باستخدام الأطفال في النزاع، والتي أُدرجت رغم التحفظات.
أما الدول التي امتنعت عن التصويت، فقد اتخذت موقفًا يُقرأ سياسيًا على أنه أقرب إلى القبول منه إلى الرفض، إذ إن الامتناع غالبًا ما يعكس اعتبارات دبلوماسية وليس رفضًا مبدئيًا.
وحاولت أطراف مرتبطة بالنظام السابق التأثير على مسار التصويت عبر أساليب غير نزيهة وملتوية منذ تحديد المجلس لتاريخ الجلسة، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، ما يُعد انتكاسة جديدة لها في محفل دولي، ويؤكد استمرار تعثّر أدواتها الدبلوماسية الخارجية.
ويمثّل قرار التمديد رسالة دولية واضحة تعبّر عن إصرار المجتمع الدولي على مساءلة المتورطين في الحرب، لا سيما أن البعثة تواصل عملها للسنة الثالثة على التوالي، رغم رفض الحكومة التعاون معها. وهو قرار لا يقتصر على توجيه الإدانة لحكومة الأمر الواقع، بل يتضمّن توصيفًا قانونيًا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ارتُكبت من قبل طرفي النزاع.
ويؤكد المجلس من خلال هذا القرار أنه لن يتغاضى عن جرائم 15 أبريل، وأن البعثة ستظل أداة رصد وتوثيق تحفظ الأدلة وتمنع الإفلات من العقاب، وتدفع نحو محاسبة المسؤولين، أيًّا كانت مواقعهم أو انتماءاتهم.
وقد عزّز القرار من عزلة الحكومة السودانية حتى داخل القارة الإفريقية، حيث لم تصوّت لرفضه سوى ثلاث دول (المغرب، بوروندي، إثيوبيا)، فيما امتنعت ثماني دول، بينما أيدته دول محورية في القارة، أبرزها جنوب إفريقيا، التي تُعد واجهة ديمقراطية وحقوقية.
وبالمقارنة مع العام الماضي، ارتفع عدد الدول المؤيدة من 23 إلى 24، وانخفض عدد الرافضين من 12 إلى 11، ما يعكس تنامي القناعة الدولية بضرورة استمرار عمل البعثة.
وفي هذا السياق، تبدو دعوة حكومة بورتسودان للتعاون مع البعثة خيارًا أكثر حكمة من المواجهة والرفض، خاصة وأن البعثة تسعى لتقديم جميع من ارتكبوا جرائم بحق الشعب السوداني إلى العدالة، دون استثناء.
وقد دعت الدكتورة رجاء الزبير، المستشارة بوزارة العدل، في مقال نُشر أمس، الحكومة السودانية إلى انتهاج مسار التعاون المشروط والواعي مع البعثة، ضمن تفاهمات تحفظ المصالح الوطنية، وتتيح تحقيق مكاسب استراتيجية وأخلاقية جوهرية.
فالتعاون لا يعني بالضرورة الخضوع الكامل للآليات الدولية، بل يمكن أن يتم في إطار رقابة وطنية صارمة وتنسيق مؤسسي، بما يعكس التزام السودان بالقانون الدولي، ويؤكد إرادته السياسية في التصدي للانتهاكات ومحاسبة المتورطين. كما يعزز ذلك من ثقة المجتمع الدولي في السودان كشريك فاعل في مسار العدالة.
أما تجاهل هذه الفرصة أو التعامل معها من منطلقات سياسية أو أيديولوجية، فلن يخدم الضحايا، ولن يدعم بناء دولة القانون، بل سيكرّس واقع الانقسام، ويؤخر الاستحقاقات الضرورية للعدالة والاستقرار.
وفي ظل هذا الظرف بالغ التعقيد، فإن اتخاذ قرارات أحادية أو متسرّعة من قبل مؤسسات تنفيذية يُعد خللًا في آليات الحكم، ويحدّ من فرص الوصول إلى حلول مستدامة.
وبهذا تكون حكومة السودان ودبلوماسيتها قد بدأت مشوارًا جديدًا من رحلة الصراع السياسي والدبلوماسي في ساحات العدالة، وتجديد البعثة لمدة عام هو التاريخ نفسه الذي وضعته أمريكا كحدّ أقصى لنهاية الصراع. فهل ستثبت البعثة ما بدأت التحقيق فيه فعلًا لتقدّم تقارير جديدة ، أم أن التقارير التي تمسّكت بها كافية للإدانة؟!
طيف أخير:
#لا_للحرب
شبكة أطباء السودان: مقتل 13 شخصًا جرّاء القصف المتعمّد من الدعم السريع على الفاشر، وإصابة 19 آخرين بينهم 7 أطفال وامرأة حامل. وتستمر حرب المواطن في حصد الأرواح، والحكومة تغلق الباب أمام التحقيق الدولي!!
غمضُ العين عن شرّ ضلالٌ *** وغضّ الطرف عن جورٍ غباءُ
الجريدة
#شبكة_رصد_السودان
Source