الربيع الملكي..
بقلم: شول الدين لام دينق
ما يحدث في المغرب اليوم ليس حادثاً معزولاً ولا مجرد احتجاج شبابي متكرر. ما نراه هو نقطة على خط بياني طويل بدأ في المنطقة منذ سقوط أولى جمهوريات الربيع العربي. غير أن هذا الخط لم يعد يسير في اتجاه إسقاط الجمهوريات فقط، بل بدأ يقترب من عروش الملوك.
نحن أمام لحظة تاريخية تتداخل فيها ثلاثة عناصر: جيل جديد بلا خوف ولا تبعية، أنظمة ملكية ترهلت داخلياً، وانهيار بطيء في مركز أوروبا الذي كان حتى الأمس القريب الضامن الأكبر للاستقرار في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
هذه التركيبة، من منظور استراتيجي بارد، تخلق فراغاً لمخطط ذكي ليس بالضرورة بيد دولة واحدة يستغل اللحظة ليعيد رسم العلاقة بين الملوك وشعوبهم بمكر أمريكي قبل أن تنفجر الأوضاع من تلقاء نفسها .
أوروبا اليوم غارقة في أزماتها الداخلية: اقتصاد يترنح، انقسام سياسي، وحرب في تخومها الشرقية استنزفت مخزون قوتها الناعمة والصلبة. هذا الانهيار التدريجي حوّل أوروبا من لاعب مركزي في ضبط إيقاع المنطقة إلى متفرج يبحث عن منقذ.
النتيجة؟ فراغ استراتيجي واسع على ضفاف المتوسط وأعماق إفريقيا.
وفي عالم السياسة لا يوجد فراغ، هناك من يملأه، وهنا تبدأ لعبة جديدة على العروش.
الأنظمة الملكية العربية صمدت في وجه الربيع العربي لأنها كانت تملك عنصر “الهيبة”: شرعية دينية، رمزية تاريخية، شبكة مصالح داخلية.
لكن هذا الجيل الجديد – جيل Z – لا يخضع لهيبة الرموز ولا للخطاب الرسمي. إنه جيل رقمي يرى العرش مثل أي مؤسسة عامة يمكن انتقادها ومساءلتها.
وهنا يكمن جوهر المخطط: إسقاط القداسة عن السياسة قبل إسقاط الملكيات نفسها. بمجرد أن يفقد العرش هالته، يصبح أي تعديل في بنيته أو صلاحياته مقبولاً شعبياً.
ليشنو المغرب ؟؟
المغرب هو المثال الأنسب لاختبار هذا التغيير: ملكية تاريخية، مجتمع شبابي نشط، هامش سياسي أوسع من غيره، وعلاقات متشابكة مع الغرب.
إذا نجح “التجريب” هناك، ستجد بقية الملكيات نفسها أمام واقع مشابه: مطالب بإصلاحات دستورية أعمق، حكومات مدنية أقوى، وتراجع فعلي لدور القصر من دون الحاجة لثورة مفتوحة.
هذا الجيل ليس حزباً سياسياً يمكن التفاوض معه، بل هو مزاج عام يمكن تحريكه بسهولة عبر الشبكات الرقمية.
هنا تكمن عبقرية المخطط – إذا صح –: أداة ضغط داخلية بلا قيادة مركزية، تجعل الأنظمة الملكية عاجزة عن احتوائها بالطرق التقليدية: لا اعتقالات تقطع الرأس، ولا مساومات تقطع الطريق، لأن الرأس هنا موزع بين ملايين الحسابات والشاشات.
إذا استمر هذا المسار، ستجد الملكيات العربية نفسها مضطرة إلى:
التحول التدريجي نحو ملكيات رمزية على النمط الأوروبي مثل بريطانيا واسبانيا الخ……
فتح المجال لحكومات مدنية تفصل بين العرش والإدارة اليومية.
تفكيك تدريجي لشبكات الامتياز القديمة وإعادة توزيع النفوذ لصالح نخب جديدة.
كل ذلك قد يجري تحت غطاء “إصلاح داخلي” بينما في الواقع هو إعادة هندسة متعمدة تجعل العروش متساوقة مع نظام دولي جديد يتشكل في ظل تراجع أوروبا وصعود قوى أخرى.
اخر القول..
المنطقة تدخل فصل “ما بعد الهيبة”؛ حيث لم تعد الأنظمة الملكية محصنة كما كانت، ولا أوروبا قادرة على حماية استقرارها كما كانت، وجيل Z يطرق الأبواب بأختبار جديد.
هذا ليس “ربيعاً عربياً” بالمعنى القديم، بل ربيع الملوك: مخطط بطيء، ذكي، يذيب أسس الملكيات دون أن يهدمها فجأة.
ما يجري في المغرب اليوم قد يكون أول صفحة في كتاب طويل، كتاب عنوانه:
“نهاية احتكار العروش وبدء عصر العروش المشروطة.”
Source