كان السودان، في لحظةٍ من تاريخه، ينهل من معين إيمانه شموخًا يفيض على الوجدان نورًا، وكرامةً تصون للوجود معناه. وفي ذلك الأفق المفعم برجاء الروح، ارتحل الترابي إلى الغرب، لا ليقدّم اعتذارًا عن دين أمّته، بل ليعرض الإسلام في أبهى تجلياته: أفقًا إنسانيًّا فسيحًا يتجاوز حدود الجغرافيا، ويتّجه إلى مخاطبة جوهر الإنسان أينما كان. غير أنّ المسافة بين الذات والآخر ظلّت معلّقة بين توقٍ إلى الاعتراف وخشيةٍ من الارتهان، كأنّ السؤال الموجِع لم يزل يتردّد في صمت الضمير: أيمكن للنور أن يشقّ ظلمات العالم دون أن يفقد شيئًا من وهجه؟
لكن تلك العزّة وذلك الحلم الكوني ما لبثا أن تهاويا حين انقلب مجموعة علي كرتي وعلي عثمان — على المشروع، فغلبت حسابات السلطة على نداء الفكرة، وانكشفت خبايا الأنانية والغدر. فغدت الرؤية التي أرادت أن تجمع العالم في وحدةٍ معنويةٍ رحبة رمادًا تذروه رياح الصراع، وسقطت الكرامة التي كانت بالأمس مشعلًا في ليل الأمة. وبقيت الذاكرة تتساءل، كأنها تعاتب القدر: أكان الحلم أوسع من أن يُحتضن، أم أنّ الخيانة سبقت ميلاده؟
Source