حمدا لله على السلامة
عثمان ميرغني
يواجه السودان تحديات بالغة التعقيد في جميع الاتجاهات، ومع ذلك، يبدو أن حكومة الأمل بقيادة الدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء، لم تستطع بعد تقديم حلول ملموسة أو خطة واضحة للخروج من هذا النفق المظلم. بعد مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، عقد د. إدريس لقاءات مع أطراف إقليمية ودولية، وشخصيات عامة، والجالية السودانية في الولايات المتحدة. لكن النتيجة، للأسف، لم تتجاوز الصور التذكارية التي لا تُسهم في تقدم البلاد أو تخفيف معاناة المواطن.
السودان يعاني عزلة دولية كبيرة، ويواجه صعوبة في التواصل حتى مع الدول الصديقة التي تحتاج إلى فهم واضح لاحتياجات السودان لتقديم الدعم أو بناء شراكات فعالة. مضى أكثر من أربعة أشهر دون عقد اجتماع جاد لمجلس الوزراء، ولا توجد خطة عمل أو برنامج واضح لحكومة الأمل، في وقت يترقب فيه المواطن السوداني بصيص أمل يضيء طريقه.
ومع ذلك، لا تزال هناك فرصة أخيرة لإنقاذ حكومة الأمل. يجب على رئيس الوزراء، فور عودته، أن يدرك ضرورة البدء من جديد، فما تحقق حتى الآن لا يصلح أساسًا للبناء. يمكنه اتخاذ خطوات عاجلة وفعالة، تبدأ بوضع رؤية واضحة وخارطة طريق محددة الأهداف. هذه الرؤية يجب أن تركز على بناء مؤسسات قوية ومستقلة، فمؤسسات الدولة هي الضمانة لتحقيق الاستقرار والمصداقية محليًا ودوليًا.
إن بناء المؤسسات لا يعني محو الماضي أو البدء من الصفر، بل يتطلب تمكين هذه المؤسسات من اتخاذ قراراتها بشكل مستقل، بعيدًا عن التدخلات السياسية أو القبلية. على سبيل المثال، جامعة الخرطوم، إحدى أعرق مؤسسات السودان، يجب أن تُمنح استقلالية حقيقية في اتخاذ قراراتها، بعيدًا عن سيطرة السلطة التنفيذية في وزارة التعليم العالي التي قد تتأثر بمحاصصات سياسية أو اتفاقات سلام. مدير الجامعة، الذي يُفترض أن يتم اختياره بناءً على الكفاءة والخبرة، يجب أن يكون قادرًا على قيادة المؤسسة دون قيود خارجية.
مثال آخر هو مشروع الجزيرة، الذي يُعد ركيزة اقتصادية أساسية. هذا المشروع يحتاج إلى مجلس إدارة مستقل يضع السياسات ويحدد الخطط بعيدًا عن تدخلات وزارة الزراعة التي قد تكون خاضعة لاعتبارات سياسية. إن غياب المؤسسية يؤدي إلى ضعف الأداء وتشتت الموارد.
على الدكتور كامل إدريس أن يبدأ فورًا، دون تأخير، بوضع خطة شاملة تستفيد من الخبرات السودانية في جميع القطاعات. يجب أن يعرض هذه الخطة على الشعب السوداني في مؤتمر صحفي مفتوح، متقبلًا الانتقادات والمقترحات التي تأتي عبر الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي. موارد السودان كافية لبناء دولة قوية، إذا ما تمت إدارتها بمؤسسية وشفافية، مع فتح الأبواب لشراكات دولية مبنية على المصداقية.
أمام رئيس الوزراء فرصة أخيرة لإصلاح مسار حكومة الأمل. إما أن يستغلها بجدية وإما أن يفوته القطار، تاركًا السودان في مواجهة مزيد من التحديات.
#حديث_المدينة الخميس 2 أكتوبر 2025
Source