– تعليق على مبادرات تقسيم السودان اطروحة الحكم الذاتي انموذجا..
تيار المستقبل، السودان.
يا جماهير شعبنا السوداني الأبيّ،
يتابع اعضاء حزبنا بقلق عميق الجدل الدائر حاليًا حول بعض المبادرات الخارجية التي تطرح الحكم الذاتي لإقليم دارفور كحل للأزمة السودانية الراهنة.
إننا ندرك تمام الإدراك حجم المعاناة التي يكابدها شعبنا، وحاجته الماسة إلى حلول جذرية تنهي هذا النزيف وتؤسس لمستقبل مستقر ومزدهر. ولكننا، وفي ذات الوقت، نرى لزامًا علينا أن نوضح المخاطر الجسيمة الكامنة في هذا الطرح، والذي نعتبره، في سياقنا السوداني، ليس مجرد رؤية إدارية، بل آلية خطيرة من آليات الاستعمار الجديد التي قد تدفع ببلادنا نحو مجهول أكثر قتامة وتغذية “الحروب الدولية الجديدة”.
•°`الحكم الذاتي: بذور التقسيم وتغذية الصراعات الخارجية
إن الدعوات المتزايدة لمنح بعض المناطق(مثل دارفور)حكمًا ذاتيًا تحمل في طياتها بذور التقسيم والتفتيت الذي طالما حذرنا منه. إننا نؤكد أن الصراع في السودان، كما كررنا كثيرًا من قبل، ليس مجرد نزاعًا داخليًا، بل هو تجسيد لـ “الحروب الدولية الجديدة” التي تتداخل فيها المصالح المحلية والإقليمية والدولية في شبكة معقدة من العنف المنظم. وفي هذا السياق، يصبح طرح الحكم الذاتي أداة محتملة لتعميق هذه الديناميات الخطيرة:
1. الحكم الذاتي كأداة للاستعمار الاقتصادي الجديد:
* السيطرة على الموارد وتغذية اقتصاد الحرب: السودان، بموقعه الجيوسياسي وثرواته الهائلة من الذهب والنفط والأراضي الزراعية، هو هدف جذاب للقوى الخارجية المتنافسة على النفوذ والموارد. إن منح مناطق غنية بالموارد حكمًا ذاتيًا في ظل ضعف الدولة المركزية، يعني فتح الباب أمام الاستعمار الاقتصادي الجديد لهذه المناطق. ستتمكن القوى الخارجية من إبرام صفقات مباشرة مع الكيانات المحلية، بعيدًا عن أي رقابة وطنية جامعة، مما يسهل نهب الذهب وغيره من الموارد عبر شبكات التمويل غير المشروعة، كما يحدث الآن مع مليشيا الدعم السريع وداعميها الإقليميين والدوليين (على سبيل المثال، تورط الإمارات العربية المتحدة الكبير في تجارة الذهب غير المشروعة). هذا سيغذي “اقتصاد الحرب” ويمنح أطراف الصراع المتمردة مصادر دخل مستقلة وغير مسبوق، مما يطيل أمد العنف ويزيد من تبعية هذه المناطق للخارج بدلاً من الدولة الوطنية.
2. الحكم الذاتي ومحورية الوكلاء في الحروب الدولية الجديدة:
* تفتيت السيادة وتعزيز الفاعلين من غير الدول: إن إقرار الحكم الذاتي على أسس غير واضحة المعالم، وفي ظل غياب رؤية وطنية جامعة، سيؤدي حتمًا إلى تفكيك الوحدة الوطنية وتآكل سيادة الدولة المركزية. هذا التفتيت يخلق فراغات سلطوية تملأها المزيد من الفاعلين من غير الدول (كالجماعات المسلحة والميليشيات)، والتي تتحول بسهولة إلى وكلاء يخدمون مصالح الدول الخارجية. بدلاً من بناء دولة موحدة قادرة على احتكار العنف المشروع، نجد أنفسنا أمام كيانات محلية ضعيفة، تتلقى الدعم المالي والعسكري من الخارج، لتصبح ساحات لـ الحرب بالوكالة وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية على أرض السودان. هذا يعني مزيدًا من الصراعات والانقسامات بدلاً من الاستقرار.
3. الحكم الذاتي والحرب المعلوماتية:
* تضليل الرأي العام وتأجيج الانقسامات: إن الدعوات للحكم الذاتي قد تكون جزءًا من البعد المعلوماتي والحرب النفسية في سياق “الحروب الدولية الجديدة”. فمن خلال تشكيل سرديات زائفة (مثل “صراع الجنرالين” لإخفاء التدخل الخارجي، أو “محاربة الفلول” لتبرير عنف مليشيا الدعم السريع)، يمكن للقوى الخارجية ووكلاءها المحليين تضليل الرأي العام، واستغلال الانقسامات الداخلية (القبلية والعرقية)، وتغذية الكراهية لتبرير تقسيم البلاد تحت شعارات براقة، بينما الهدف الحقيقي هو السيطرة والنفوذ. هذا يضعف من صمود مجتمعنا ويعقد جهود المصالحة وبناء الثقة.
•°`تداعيات كارثية على مستقبل السودان:
إن هذه الآليات المشتركة للاستعمار الجديد والحروب الدولية الجديدة، والتي يعززها طرح الحكم الذاتي بالضرورة، ستفضي إلى:
* تصاعد الصراعات: بدلاً من حل النزاعات، قد يؤدي الحكم الذاتي إلى تفاقمها من خلال خلق حدود إدارية جديدة وتغذية النزعات الانفصالية، مما يفتح الباب أمام المزيد من الاقتتال الداخلي وتصعيد وتيرة الحروب بالوكالة.
* انهيار اقتصادي أعمق: تفتيت الاقتصاد الوطني سيعمق الفجوة التنموية، ويغرق المناطق في الفقر، ويضعف قدرة الدولة على التعافي من خسائر تقدر بـ “تريليون دولار” في البنية التحتية.
* تزايد التدخلات الخارجية: بيئة الضعف والتقسيم ستجعل السودان مكشوفًا أمام التدخلات الأجنبية التي تستغل الفوضى لخدمة أجنداتها الخاصة، مما يهدد سيادتنا واستقلالنا بشكل وجودي.
* أزمة إنسانية مستدامة: استمرار الصراع والتقسيم سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية غير المسبوقة، بما في ذلك نزوح الملايين وانتشار المجاعة والأوبئة.
•°`رؤية تيار المستقبل للحل:
إن تيار المستقبل يؤمن بأن الحلول المستدامة للأزمة السودانية تكمن في بناء دولة وطنية قوية وموحدة، تقوم على أسس العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، وتضمن المشاركة الحقيقية لكل مكونات الشعب السوداني في صياغة مستقبله.
– عليه إننا ندعو إلى:
* حوار وطني شامل وجامع : يضم كافة الأطراف الفاعلة السودانية ، للتوصل إلى رؤية موحدة لمستقبل البلاد تضمن وحدتها واستقرارها، بعيدًا عن أي إملاءات خارجية.
* دستور دائم وعادل: يحدد صلاحيات السلطات ويضمن حقوق وحريات جميع المواطنين دون تمييز، ويعزز سيادة القانون.
* توزيع عادل للثروة والسلطة: يضمن تنمية متوازنة لجميع أقاليم السودان، ويعالج جذور المظالم التاريخية، بعيدًا عن أي نفوذ استعماري جديد.
* إصلاح القطاع الأمني وتوحيد الجيوش: ويتأتى ذلك من خلال تفكيك المليشيات المناطقية والاثنية والحزبية وعلى رأسها مليشيا الدع.م الس.ريع ودمج جميع القوى المسلحة في جيش وطني مهني موحد، يلتزم بحماية الدستور والوطن، وينأى بنفسه عن التجاذبات السياسية أو التبعية الخارجية.
* مكافحة الفساد واستعادة الموارد المنهوبة: وقطع شريان تمويل “اقتصاد الحرب” الذي يغذي الصراعات.
* مواجهة الحرب المعلوماتية: من خلال دعم الإعلام المستقل والمحلي وبناء وعي مجتمعي قادر على التمييز بين الحقائق والسرديات الزائفة التي تهدف إلى تقسيمنا.
إننا نحذر من الانجرار خلف حلول قد تبدو سريعة ولكنها تحمل في طياتها تدميرًا طويل الأمد لوطننا، وتحويله إلى رقعة شطرنج دائمة في “الحروب الدولية الجديدة”. لنكن على قدر المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا، ولنتحد معًا من أجل سودان موحد ومستقر ومزدهر، بعيدًا عن أي شكل من أشكال الاستعمار الجديد.
عاش السودان حرًا موحدًا وسيدًا!
تيار المستقبل، السودان
14 يوليو 2025
Source
