[ad_1]
أحمد عثمان جبريل.. يكتب: الإسلاميون والرباعية من يُسقط من؟
حين تشتد العواصف السياسية في بلد مأزوم كالسودان، لا ينجو من اللعبة من يملك المكر وحده، بل من يقرأ الواقع من عدة زوايا إمكانياته اولا ثم محليا ودوليا، ويدرك أن الذكاء الحقيقي لا يكمن في رفع الصوت، بل في توقيت التواري، والتقاط لحظة الانقضاض بدقة.. وفي قلب هذا المشهد المعقّد، تبرز الأسئلة الكبرى: هل ما زال الإسلاميون يملكون أدوات التعطيل؟ هل البرهان باقٍ على ولائه القديم؟ وماذا أعدّت الرباعية الدولية، سرًا وعلانية، لإجهاض أي محاولة للعودة إلى الوراء؟
هذا المقال محاولة لقراءة اللحظة، لا من زاوية الانفعال، بل من منطق القوة والتوقيت والتحالفات.. فما يبدو صراعًا مكشوفًا على السطح، يخفي وراءه حسابات أكثر تعقيدًا، تتجاوز الداخل إلى حسابات إقليمية ودولية لن تسمح بإعادة إنتاج الفوضى تحت أي لافتة.
❝ قد يخدعك الذكي مرة، لكن لا يخدعك التاريخ مرتين.❞
– والتر بنجامين
ربما يكون في دهاليز السياسة ما يشبه أسطورة الهروب الأخير، حيث ينجو اللاعب الخاسر عبر بوابة المكر والتوقيت، لكن الواقع حين يكتسب صلابة كافية، لا يعود يسمح لأحد بالفرار من نهايته.. والإسلاميون في السودان، مهما زيّنوا صورتهم أو أعادوا تدوير خطابهم، يقفون اليوم على رمال متحركة، لا تمنحهم ما يظنون من ثقل، ولا تضمن لهم إلا سقوطًا، ربما يتأخر قليلًا، لكنه محتوم.
ليس سرًا أن الإسلاميين، منذ سقوط نظام البشير، سعوا بكل ما أوتوا من حيلة للتموضع من جديد، تحت ستار حرب الكرامة التي أوقفوا نارها تارة، وبشعارات( بل بس) تارة أخرى. وقد وجدوا في الفريق عبد الفتاح البرهان ما يشبه الممر الآمن، فتحالفوا معه ضمنيًا في أكثر من مفصل، وظنوا أن عودتهم إلى مفاصل الدولة كامل الدسم ريثما تنتهي حرب “الندامة”مسألة وقت لا أكثر .. لكن ما أغفلوه، عن قصد أو عن غفلة، أن البرهان نفسه يتغير.. فالرجل الذي رفع كفّ المواجهة للمدنيين، يتجه اليوم لتقديم نفسه للمجتمع الدولي كقائد قابل للانفتاح، لا كحارس لعهد الإسلاميين القديم.. وقد تأكدوا من ذلك يقينا.
فالبرهان، وهو يحدّق في مشهد ما بعد الحرب، يدرك أن رهانه القادم ليس على جماعة تستهلك شرعيته، بل على معادلة تُبقيه في اللعبة، ولو بشروط جديدة.. ومنطق البقاء السياسي يفرض عليه التخلص من أي عبء يُثقله خارجيًا، والإسلاميون، بحكم تاريخهم، باتوا عبئًا مكشوفًا.. فهم من يثيرون قلق العواصم المؤثرة، ويشكّلون عنصر توتر داخل المعسكرات المدنية والعسكرية على السواء.. وإذا كان الرجل قد استخدمهم ظرفيًا، فإن التوقيت الآن ينذر بأنه بصدد التخلص حمولتهم بنفس البرود الذي تحالف فيه معهم.
والواقع، أن يدركه أهل العلم السياسي والأمني جيدًا، أنه حين يختلط الحابل بالنابل في دولة ما، فإن الأذكى ليس من يحمل السلاح فقط، بل من يحمل ذاكرة الحكم، في الدولة العميقة ويحتفظ بقائمة طويلة من الموالين داخل المؤسسات، وشبكات تمويل لم تنقطع حتى في عزّ العزلة.. والإسلاميون يمتلكون هذا كله. لذا فإن الرباعية، بكل ما فيها من حسابات ومصالح، لا يمكن أن تجهل من تواجه.. بل الأرجح أنها تتحسب لهذا الخصم جيدًا، وتدرك أنه ليس لاعبًا مبتدئًا، بل طرف يجيد التلاعب بالفراغات، واستغلال اللحظات الرمادية في مسارات الانتقال.. نعم إنهم افضل من يتلاعب بالفراغات.
من هنا، يصبح الحديث عن خطط بديلة للرباعية لإسقاط أي تحرك معرقل من الإسلاميين أمرًا بديهيًا.. ليس فقط بدافع الحذر، بل لأن طبيعة الصراع في السودان رغم أنها مكشوفة، إلا أنها معقدة إلى حدٍّ لا يسمح بالتعامل مع الأزمات بردّ الفعل فقط.. ومن البديهي أيضًا، والذي يجب ذكره، أن التحالف السياسي الخليجي المصري بدأ يلتقط هذه الإشارات.. فالدوائر الخليجية، خاصة في الرياض وأبوظبي، وإن اختلفت زوايا رؤيتها عن القاهرة، تتقاطع اليوم معها في قناعة واحدة: أن إنجاح الرباعية الدولية هو خط الدفاع الأول عن الاستقرار الإقليمي، وأن أي فشل لهذه الصيغة سيُشعل نارًا ستطال أول ما تطال، مصر نفسها.
مصر، بحكم الجغرافيا والتاريخ والتداخل السكاني والاقتصادي، لا تملك ترف تجاهل ما يجري في السودان.. وان كل اضطراب هناك، هو بالضرورة اضطراب محتمل في خاصرتها الجنوبية. لذلك، فإن توحيد الجهود (خاصة المصرية) بات ضرورة ملحة، لا مجرد رغبة سياسية؛ لأن البديل عن نجاح الرباعية هو انهيار تام، وانفلات سياسي وأمني قد تُصبح فيه الخرطوم مساحة مفتوحة لكل اللاعبين (بمن فيهم الإسلاميون) وهو سيناريو كارثي لا أحد في القاهرة أو الخليج يرغب في رؤيته يتحقق.
هذا المنزلق يتقاطع مع معطيات دولية لم تعد خافية.. الولايات المتحدة، رغم كل شيء، لا تتعامل مع السودان بعين غافلة. التقارير تتحدث بوضوح عن نية داخل واشنطن لتصنيف “تنظيم الإخوان المسلمين” كتنظيم إرهابي، ضمن مراجعة شاملة للسياسات تجاه الجماعات الإسلامية.. وإذا تم هذا التصنيف، فإن أي جهة محلية ترتبط بهم ( تنظيميًا أو حتى رمزيًا) ستدخل تلقائيًا في دائرة العزل، والمطاردة، وربما العقوبات.
في هذه البيئة، لا يبدو أن الإسلاميين يمتلكون رفاهية الصمود، مهما ادّعوا الذكاء في التموضع.. فالمكر السياسي لا يصمد أمام الوقائع الصلبة، خاصة حين تكون القوى الفاعلة قد حسبت خطواتها بدقة.. وما لا يفهمه بعض الإسلاميين هو أن الذكاء الحقيقي لا يكون في تحدي العاصفة، بل في الانحناء لها في الوقت المناسب؛ وأن التوقيت الخاطئ للمواجهة، قد يحوّل حتى الحيل الأكثر دهاءً إلى عبء مميت. وقد يكون أفضل ما يمكنهم فعله الآن هو التواري، أو الانزواء، انتظارًا لمعادلة مختلفة.. أما الصعود المبكر، والتورط في مشهد مضطرب، فلن يكون سوى مقامرة خاسرة، لا يتطلب إسقاطها أكثر من قرار حاسم من الرباعية، أو إشارة من (الداخل – البرهان ) بأن اللعبة قد انتهت.. (قيم اوفر)
هكذا، في ميزان اللحظة، لا يبدو أن الإسلاميين يملكون ما يسقط الرباعية.. كل المعطيات تقول العكس:” أن الرباعية، مهما ترددت، تملك اليد الطولى”.. وأن البرهان، وهو يفتش عن صيغة مقبولة للبقاء، لن يغامر بحملهم على كتفيه في مواجهة العالم.
بقى ان نقول :” أن النظام الدولي، بكل ما فيه من تعقيد، لن يمنح الفرصة مجددًا لحركة أثبت التاريخ أنها لا تنمو إلا في ظلال الفوضى.
قد تطول رقصة الظلال هذه بعض الوقت، لكن نهايتها، على الأرجح، ليست في صالح من يظنون أن الماضي قابل لإعادة التدوير.
إنا لله ياخ الله غالب.
#شبكة_رصد_السودان
[ad_2]
Source


