قبل نحو أسبوعين من رحيله، زرتُ الشريف محمد حسن ” سيد الدكان” في الشقّة التي كان يقيم فيها بمنطقة فيصل، ويتلقّى العلاج. لم أر في حياتي شخصاً صابراً ومحتسباً مثله. كان يشتدّ به الألم إلى درجة يفقد معها القدرة على الكلام، ومع ذلك لا يشتكي ولا تسمع له أنين، وهو في مرحلة متأخرة جداً من المرض، فقط يرفع نظره إلى السماء ثم يخفض رأسه إلى الأرض، ويدعو في سره. في تلك الليلة ذكر لي أنه خلاص قرر العودة إلى المعيلق، وعاوز يرجع عشان يشوف أولاده. قلت له: «اصبر شوية حتى يكتمل العلاج»، لكنه أصرّ، فقد كان يشعر بدنوّ أجله. اتصلتُ بالأستاذة أميمة عبد الله، مديرة مشروع العودة الطوعية، وأخبرتها بحالة الشريف ورغبته في العودة. وكعادتها وتفاعلها مع الجوانب الإنسانية، حجزت له ولزوجته في أول رحلة قطار عودة مجانية.
في يوم السفر، أيقظني نداء الفجر، وقررتُ الذهاب إلى المحطّة للاطمئنان عليه. صعدتُ إلى عربة القطار، فوجدته جالساً وعلى وجهه طمأنينة غريبة. كان يحمل مسبحة في يده اليمنى، ويضع رجله على صدره، ويكثر من الاستغفار. حاولتُ ممازحته بأنه سيشتاق إلى الزحام والضجيج، وأخبرته أنني سأزوره قريباً في بيته إن أمدّ الله في الآجال. ثم ودّعته وغادرتُ محطة رمسيس.
فجأة غمرني شعور بالحزن والحنين، أو ذلك المزيج الغريب من المشاعر الذي أعرفه من ندبة في القلب، لأشياء كثيرة.. في اليوم الثالث أخبروني أنه وصل بسلام إلى دياره، وكان في غاية السرور، ربما تلك حالة من اليقين لرجل أراد أن يموت في بيته وبين أولاده، وأن يُصلّى عليه أهله، وأن يكون له قبر بشاهد معلوم، وقد تحققت أمنيته. ﴿فلا تدري نفس بأي أرض تموت﴾. أسأل الله العلي العظيم أن يتغمّده بواسع رحمته ومغفرته، وأن يجعل مرضه كفّارة له، وأن يجزي كل من ساهم في تكلفة علاجه خير الجزاء.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
Source
قبل نحو أسبوعين من رحيله، زرتُ الشريف محمد حسن ” سيد الدكان” في الشقّة التي كان …

Leave a Comment