إلى كل ليبيٍّ حر…
بقلم..شول الدين لام دينق
في الجاهليّة الغابرة، حين اجتمع صناديد قريش على الغدر بالنبيِّ ﷺ، اقترح بعضهم اقتحام بيته لاغتياله، فإذا بأبي جهل – على كفره وعِناده – يزجرهم قائلًا:
“أتُرِيدون أن تقول العرب: إنّا تسوّرنا الحيطان وهَتَكْنا سِترَ بنات محمد؟!”
تأمّلوا المشهد: قلوب امتلأت حقدًا، وألسنة تقيّحت كفرًا، ومع ذلك بقي في صدورهم بقيةٌ من نخوةٍ تأبى أن يُستباح حِمى البيوت أو يُمسّ عرض النساء. كانوا مشركين، لكنهم أدركوا أن العار أبقى من العُمر، وأن هتك الحُرُمات لا يُغسَل بدم، ولا يُمحى بزمان.
أمّا اليوم، في عام 2025، فقد انقلبت الموازين، وصار بعض أبناء الإسلام يقتحمون بيوت السودانيين الهاربين من جحيم الحرب، يرمونهم بتهمة “الهجرة غير الشرعية”، وكأن الفارَّ من الموت مجرم، وكأن طالب النجاة غازٍ معتدٍ!
يا أبناء ليبيا…
السودانيّ ليس دخيلًا ولا مجرمًا.
هو لاجئٌ قسريّ، اقتلعته نيران الحرب من جذوره، فلفظته أرضه إلى أرضكم. لم يطرق أبوابكم لهوًى ولا ترفًا، بل دفعته قسوة القصف والجوع والتشرّد. بعضهم خرج بملابسٍ لا تقي بردًا، وبعضهم باع بيت العمر ليحفظ حياة أطفاله. واليوم، تطلبون منه أن “يسوّي وضعه القانوني”، بينما جواز سفره يُباع في سوقكم السوداء بألفٍ ومئتين وثلاثين دينارًا، ورزقه من العَرق لا يتجاوز مئة دينار أسبوعيًا! فأي عقلٍ يزن هذا؟ وأي ضميرٍ يُمليه؟
أيها الليبيّ الحر…
السودانيّ في أرضكم لا يملك خيار الرجوع، فالوطن ما زال يحترق. ومع ذلك يطرقون أبواب السفارة كل يومٍ يستجدون العودة، مفضلين موتًا في ديارهم بكرامة، على حياةٍ في بلد جارٍ بالإهانة.
فأين خُلق الإسلام الذي تنتسبون إليه؟
أين الشهامة التي لم يتخلَّ عنها حتى أبو جهل؟
أين الرحمة التي جعلها الله صفة نبيّه ﷺ حين قال: «الرَّاحمون يرحمهم الرحمن»؟
إنها ليست صرخة عاطفة، بل نداء عقلٍ وضمير:
لا تُهينوا السودانيين وقد أهانتهم الحرب.
لا تجرّدوهم من إنسانيتهم وقد جردهم الموت من كل شيء.
لا تجعلوا ليبيا تُذكَر في التاريخ على أنها أرض صدّت اللاجئين بالعنف، بدل أن تفتح لهم ذراع الجوار.
تذكّروا: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله، ومن يطعن في كرامة الملهوف إنما يطعن في كرامته هو، ويورّث أمته عارًا لا يُمحى.
الكرامة لا تُقاس بجواز سفر، ولا بالحدود الوهمية التي رسمها الاستعمار. الكرامة هُويّة إنسانية، وميزانها الرحمة، والرحمة تاج لا يضعه إلا الأحرار.
Source