النزاع السوداني المصري حول مثلث حلايب !
عدنان زاهر
الميدان4368،، الثلاثاء 23 سبتمبر 2025م
1
تحاول السلطات المصرية تاريخيا و بكل الطرق و حتى بغير الشرعية منها السعي للسيطرة على مثلث حلايب ، وقد قامت فعليا باحتلاله في العام 1995 و حتى اليوم، ابان حكم جماعة الاخوان المسلمين ( الإنقاذ ) السودان، وذلك عقب محاولة اغتيال حسنى مبارك في ( أديس أبابا ) بعد أن تأكدت مصر ان سلطة ( الإنقاذ ) لن تفعل شيئا لمقاومة ذلك الاحتلال، بسبب تورطها في أحداث محاولة الاغتيال الفاشلة.
و كان قد سبقت هذا الاحتلال الأخير، محاولة من قبل مصر للدخول الى مثلث حلايب في العام 1958 ابان حكومة عبدالله خليل المكونة من الإتلاف بين حزب الأمة و حزب الشعب ا وواجه دخول مصر مثلث حلايب رفضا عارما و حشدا شعبيا من جانب كل السودانيين و موقفا صلدا من جانب الحكومة بالإضافة الى احتجاج دولي و دبلوماسي، أدى الى تراجع مصر و سحب جنودها، تم ذلك ابان حكم عبد الناصر لمصر.
و نظراً لأن تناول قضية حلايب يشمل جوانب أخرى مرتبطة بها غير الشق القانوني الأساسي ، لا بد بالضرورة التعرض في عجالة لبعض تلك الجوانب السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية للمنطقة بأشملها.
2
يقع ” المثلث ” المكون من حلايب ، أبو رماد و شلاتين في شرق السودان على ساحل البحر الأحمر في مساحة تبلغ 580 ,20 كيلو متر، و هو ذو أهمية ( جيوسياسية ) كبيرة كما ان المثلث ذاخر بالمعادن المتنوعة. مساحته تفوق مساحة سلوفانيا و قبرص في أوربا ، كما تفوق أيضا دولة الكويت و لبنان .
تسكن المثلث قبيلة البجا السودانية المكونة من عدة قبائل هم الهدندوة، البنى عامر، البشاريون ، الأمرار ، الحباب و الكملاب، و لارتباط تلك القبائل تاريخيا و ثقافيا و اقتصاديا بالسودان، قرر الحكم الثنائي إلحاقها إداريا بالسودان في العام 1902 تم ذلك دون تحديد فترة لذلك الأجراء ، و برضاء شريكه في الحكم ذلك الوقت الحكومة المصرية.
يمارس أهل المنطقة حرفة رعى الابل و الأغنام و الضأن و التنقل في كل المنطقة الصحراوية واليهم ينتمى القائد المحنك الداهية عثمان دقنه أحد أمراء الدولة المهدية. بُعد المنطقة ، وعورة ارضها الصحراوية و مسالكها، جعل هذه القبائل شبه مستقلة تدير شئون حياتها بعيدا عن السلطة المركزية.
3
النزاع القانوني حول مثلث حلايب
– في فترة الاستعمار الإنجليزي المصري صدر الاتفاق العام 1899 أي بعد هزيمة المهدية في كررى من جانب هذه الدول المستعمرة أن تكون الحدود بين مصر و السودان هي خط عرض 22 شمالا ، و بموجب هذا الاتفاق صار مثلث حلايب السوداني ضمن الحدود المصرية.
– في العام 1902 أجريت الإدارة البريطانية ترتيبات إدارية جديدة ألحقت مرة أخرى مثلث حلايب إداريا بالسودان بعد أن اتضح لها من خلال التجربة ان اهل المنطقة من قبائل البجا مرتبطين اجتماعيا و اقتصاديا بالسودان.
– عندما نال السودان استقلاله كانت حلايب ضمن الحدود السودانية و قد حاولت مصر التعدي على حلايب كما ذكرت أعلاه في العام 1958 بدعوى أن حلايب مصرية و انها الحقت إداريا بالسودان ، و قد وقفت حكومة الديمقراطية في ذلك الوقت، موقفا حاسما ضد ذلك التدخل مع الدعم الدولي و الدبلوماسي مما أدى الى تراجع مصر و انسحابها.
– نص ميثاق منظمة الوحدة الافريقية لعام 1963 في مادته الثالثة الفقرة 3 على الآتي: ( احترام السيادة و السلامة الإقليمية لكل دولة و حقها الثابت في الوجود المستقل ).
– في اجتماع قمة القاهرة يوليو 1964 لرؤساء دول و حكومات منظمة الوحدة الافريقية اعتمدت قرارا عرف باسم
قرار بشأن الحدود الموروثة عند الاستقلال و نصه كما يلى :
( اذ يدرك الصعوبات الناجمة عن الحدود الموروثة من الاستعمار، وإذ يدرك ان المسائل المتعلقة بالحدود تشكل سببا خطير للنزاعات بين الدول الأفريقية، و اذ يُذكر بأن جميع الدول الأعضاء تعهدت بموجب المادة الثالثة من ميثاق منظمة الوحدة الافريقية على احترام سيادة أراضي كل دولة
يقر و يعلن صراحة ان جميع الدول الأعضاء تلتزم باحترام الحدود القائمة وقت نيل الاستقلال )
هذا الموقف الأفريقي يتسق تماما مع مبدأ و قاعدة القانون الدولي ” أوتى بوسيديتيس ” ذات الأصل
Uti Possidetis juris
اللاتيني ( من يملك، يملك ) ” مبدأ عدم قابلية المساس بالحدود ”
كما وافقت الدولة المستضيفة للمؤتمر و هي ( مصر ) على هذا الاتفاق !
– أصدرت محكمة العدل الدولية عدة سوابق مستندة على هذا المبدأ في نزاعات حدودية بين دول أفريقية نورد منها على سبيل المثال :
نيجيريا و الكاميرون
اقامت دولة الكاميرون دعوى امام محكمة العدل الدولية تطلب الحكم لها باسترداد جزيرة ( باكاسى ) الغنية بالنفط و الغاز عام 1994 التي تسيطر عليها نيجيريا ” دي فاكتو ” . المحكمة استندت الى اتفاقيات استعمارية و حكمة لصالح الكاميرون عام 2002 اعترضت نيجيريا في البداية لكنها سلمت الجزيرة في العام
2008 .
ارتيريا و اثيوبيا
بعد استقلال ارتريا عام 1993 نشب نزاع حول بلدة ” بادمي ” في الحدود ،و نشبت بسببها حرب في الأعوام 1998 و 2000 راح ضحيتها 70 الف شخص . تحت رعاية الامم المتحدة تم اللجوء الى ” لجنة ترسيم الحدود ” اللجنة حكمت لصالح ارتيريا لكن أثيوبيا رفضت في البداية تنفيذ الحكم، لكنها وافقت أخيرا في العام 2018 .
تشاد و ليبيا
سيطرت ليبيا على شريط ( أوزو ) الحدودي منذ السبعينات عندما رفعت تشاد قضية امام محكمة العدل الدولية صدر الحكم لصالحها و سلم الشريط لها.
– مصر ترفض اللجوء الى التحكيم خوف الحكم ضدها، لكن مع ذلك يمكن اجبارها على قبول التحكيم بواسطة مجلس الأمن وفقا للبند السابع، كما تم في السابق مع نيجريا، ليبيا و أثيوبيا عندما رفضوا مبدأ التحكيم، او بقرار من الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
ظل السودان يحرص على تقديم شكاوى الى مجلس الامن بخصوص احتلال مثلث حلايب و هنا نورد بعض من تواريخ تلك الشكاوى :
شكوى في فبراير 1958 ، شكوى السودان لمجلس الامن بتاريخ 21 يونيو 1993 و في الأعوام 1994 ، 2015 و 2017…….الخ مما يعنى ان النزاع لا زال مفتوحا. مضمون تلك الرسائل ان السودان ( يرفض تمصير مصر لمنطقة حلايب و انشاء مرافق خدميه بها و محاولات دمج السكان ).
4
النزاع السياسي حول المثلث
مصر تعرف تماما أن موقفها القانوني ضعيف في أي تحكيم يتم حول حلايب، استنادا على ميثاق الأمم المتحدة في ( عدم استخدام القوة في حل النزاعات ) و هي قد قامت باحتلال مثلث حلايب بالقوة منذ عام 1995 ، ميثاق منظمة الوحدة الافريقية و مبدأ ( اوتى بسيديتيس ) و ميثاق القاهرة الذى نادى صراحة باعتماد الحدود المتوارثة من المستعمر لمنع النزاعات و الاحتكاكات، بالإضافة الى سوابق محكمة العدل الدولية حول النزاعات التي تمت في افريقيا . مصر تراهن على الزمن و الحكومات الديكتاتورية الضعيفة في السودان لاستغلالها و ابتزازها كما فعلت من قبل مع حكومة عبود و ( اتفاقية السد عالي ) والتي استولت فيها على معظم حصة السودان من مياه النيل و لا زالت، و كما مارست نفس الاسلوب مع حكومة الإنقاذ عند محاولتها اغتيال حسنى مبارك و الاستيلاء على مثلث حلايب، و كما تفعل الآن في استغلال حكومة ” بورتسودان ” الضعيفة و المجمدة عضويتها في الاتحاد الأفريقي اضافة الى ظروف الحرب، للاستيلاء على مثلث حلايب نهائيا بالتنازل، حتى يمكنها استغلال موارده التي لا يمكن استغلالها طالما المثلث متنازع عليه، الدول و الشركات لا تخاطر بعمل مشروع في مثل تلك المناطق.
مصر تعمل بجد على تغيير الواقع في مثلث حلايب بعد الاستيلاء عليه بفرض الأمر الواقع ( دي فاكتو) و تراهن في ذلك على الوقت. كما ذكرت سابقا يمكن اجبار مصر على قبول مبدأ التحكيم بواسطة مجلس الأمن و لكن ذلك يتطلب حكومة قوية و ديمقراطية يساهم الشعب معها في اتخاذا قرارتها…… هذا الوضع غير موجود الآن مع حكومة بورتسودان المتهالكة و مع علاقتنا الدولية المتدهورة طيلة السنوات الماضية و استمرار التدهور مع الحرب و مواقف حكومة البرهان.
على العموم الشعب السوداني هو الذى سوف يحسم الامر بنضاله و مواقفه الصلدة، و عندما يتم ذلك و يعرف المجتمع الدولي أن هنالك حكومة محترمة في السودان تدافع عن حقوق مواطنيها، عند ذلك فقط سوف تقف حكومات العالم و شعوبها معنا في المطالبة بقضايانا العادلة.
مراجع
1- ميثاق منظمة الوحدة الافريقية – 1963
2- اتفاق القاهرة – 1964
3- سير هارولد ما كمايكل – السودان – ترجمة محمود صالح عثمان
4- ذكاء اصطناعي
5- خطابات لرئيس الوزراء عبدالله خليل نشرت في النت
Source