ماذا بعد نيويورك..
عثمان ميرغني
بعد انتصار ثورة ديسمبر..وتوقيع الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019 ثم تشكيل الحكومة الانتقالية الأولى.. سافر الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء الانتقالي إلى نيويورك مترئسا وفد السودان لاجتماعات الشق رفيع المستوى الجمعية العمومية.. وارتفعت آمال السودانيين إلى عنان السماء وهم يرون العالم محتفيا بعودة السودان إلى الأسرة الدولية.
وجدت لقاءات حمدوك مع الوفود الأجنبية بنيويورك على هامش الجمعية العمومية احتفاء شعبيا كبيرا.. لدرجة الزغرودة الشهيرة التي تناقلتها وسائط التواصل.
و في طريق العودة من نيويورك زار حمدوك باريس والتقى رئيس الوزراء الفرنسي.. و تجرد من صفته الدستورية لمقابلة الأستاذ عبد الواحد محمد نور الذي اشترط ذلك..
بعدها بقليل انعقد مؤتمر ببرلين للشراكة مع السودان.. ثم مؤتمر باريس الذي دشن برنامج إزالة الديون الثقيلة من عاتق السودان.. و انتهت هذه المرحلة بالخطوة الأكبر عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية ازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
على الأقل في الحراك الخارجي لرئيس الوزراء السابق كانت هناك نتائج ملموسة.. وربما لو بقي حمدوك أطول لاستمر حصاد اعفاء الديون – الذي توقف بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021- حتى منتهاه .. و استقبل السودان مرحلة تعافي اقتصادي بالارتباط بالمؤسسات الدولية والاقليمية.
جولة نيويورك الحالية لرئيس الوزراء الدكتور كامل ادريس تبدو وكأنما هي محاولة مستميتة لإثبات الذات أكثر من حصد النتائج القومية.. أقرب لعملية تعويضية للزيارة الأخيرة للمملكة العربية السعودية، وقبلها إلى مصر.
في لقاءات نيويورك؛ ظهرت قوائم دول أفريقية بعيدة عن فضائنا الحيوي.. ثم لقاءات أخرى تبدو أقرب للصور التذكارية منها إلى اختراق دبلوماسي ..
من الحكمة مراجعة الأمر كله..أداء حكومة الأمل لا يزال مخيبا للآمال.. البلاد تنهشها حميات الضنك والملاريا بصورة لم تحدث في تاريخها.. في ظل معدل استجابة حكومية ضعيف للغاية يجعل المواطن في مواجهة منفردة من وباء يتطلب العمل الصحي المؤسسي على مستويات المكافحة والمعالجة.
وتراجع اقتصادي مخيف، مع ازدياد معدلات العودة للنازحين واللاجئين الذين هم في أمس الحاجة لاستعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والتعليم والصحة والبيئة.. وقبل ذلك فرص العمل لمن ظلوا لأكثر من عامين بلا عمل ولا يجدون الكسب الذي يقيم أود أسرهم و يطعم أطفالهم.
عندما يعود رئيس الوزراء من نيويورك فهو بحاجة عاجلة وضرورية لاستعادة “ضبط المصنع ” لحكومة الأمل.. بتحديد رؤية واضحة ثم تصميم خطة مؤسسية تلتزم بها الدولة..
الافراط والتعويل على الشكليات والرمزيات في الجولات الداخلية والخارجية سيدفع ثمنه الوخيم السودان كله.. وليست الحكومة وحدها..
#حديث_المدينة الأحد 28 سبتمبر 2025
Source