أحمد عثمان جبريل يكتب: ضغط الرباعية يهزّ الأرض تحت أقدام الإسلاميين
❝ الذين يظنون أن التاريخ يسير في خط مستقيم، لم يدركوا أنه أحيانًا يعود ليصفعهم من الخلف. ❞
— تزفيتان تودوروف، الفيلسوف البلغاري الفرنسي
في اللحظات التي تبدأ فيها السياسة بالتنفس خارج أروقة البنادق، تكشف الأرض عن اهتزازها الحقيقي، ليس في الخرائط وحدها، بل تحت أقدام من اعتقدوا أن بإمكانهم السيطرة إلى الأبد.
بهذا المعنى، تأتي تصريحات مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، بأن الأطراف السودانية باتت قريبة من محادثات مباشرة، لا كمجرد إحاطة دبلوماسية، بل كإشارة إلى تحرك جاد تقوده الرباعية الدولية لإنهاء حرب أنهكت الجميع.. لكن خلف هذا التحرك، ثمة إدراك عميق لا تقوله البيانات:” أن العقبة الأخطر أمام أي تفاوض ليست مجرد تعنت طرف، بل وجود تيار ظل لعقود يتقن لعبة التخريب من الخلف.. تيار الإسلاميين.”
واشنطن تعرف هذه الحقيقة جيدًا.. تدرك تماما أن من أفشل مفاوضات جدة والمنامة، ليس سلاح الدعم السريع، ولا انقسام القوى المدنية، بل تلك اليد الخفية التي تربط مشروع الإسلاميين بمفاصل حساسة داخل الجيش.
وهذه المرة، تتحرك الولايات المتحدة بتحسب استراتيجي واضح، لأنها تدرك أن التفاوض لا ينجح فقط بجلوس الطرفين، بل بضمان ألا تنهض قوة ثالثة لتنسف الطاولة.
لهذا السبب، يبدو أن الخط الأميركي يتضمن مسارين متوازيين:
الأول: دفع نحو مفاوضات مباشرة، عبر تسوية تحقن الدماء وتؤسس لواقع سياسي جديد.
والثاني: كبح جماح القوى المعرقلة، وعلى رأسها التيار الإسلاموي الذي ما زال يحلم بإعادة تدوير مشروعه، ولو على أنقاض الدولة.
وضمن هذا السياق، يبدو أن واشنطن تتحرك نحو تصنيف “الإخوان المسلمين” كمنظمة إرهابية.. هذه ليست خطوة رمزية، بل رسالة مباشرة:” أن زمن التساهل مع الأذرع السياسية التي توظف الدين لتثبيت مشاريع الهيمنة قد انتهى”.
وفي السودان، حيث تشكل جماعات الإسلام السياسي امتدادًا عضويًا للإخوان، سيعني هذا التصنيف فتح الباب أمام ملاحقات وتجميد أرصدة ومنع تحرك قيادات كانت حتى وقت قريب تتحكم في الدولة العميقة.. وقد كان أول خطواته جبريل إبراهيم وكتيبة البراء بن مالك.
لكن من داخل هذا المشهد المتوتر، خرجت أصوات – لافتة – من قلب التيار الإسلاموي نفسه، تُدرك أن المعادلة قد تغيرت.
ففي مقال نُشر مؤخرًا على صفحتها بـ”فيسبوك”، دعت القيادية في المؤتمر الوطني، سناء حمد العوض، الحزب الشيوعي إلى تحالف وطني “عاقل وعملي”، مستخدمة عبارة مكثفة وخطيرة:”البلاد مقبلة على فوضى.”
هذه ليست عبارة عابرة؛ إنها إعلان صريح من داخل العقل الإسلاموي بأن الرهانات السابقة فشلت، وأن مشروع “استعادة الدولة” لم يعد ممكنًا بالأدوات القديمة. .ورغم أن المقال لم يحمل اعتذارًا، لكنه لم يحمل تهديدًا أيضًا، بل بدا كأنه محاولة لإعادة التموضع تحت ضغط الانهيار، لا انطلاقًا من الرغبة، بل من إدراك استحالة العودة إلى الوراء.
غير أن السياسة الدولية لا تنتظر نضوج المراجعات.. فالولايات المتحدة، ومعها الرباعية، تعلم جيدا أن التحولات الفكرية داخل التيارات العقائدية بطيئة ومراوغة، وأن ما يبدو تصالحًا، قد يكون مجرد كمين تكتيكي.
ولذا، فإن الضغط الحالي ليس فقط لبناء اتفاق، بل لتجفيف موارد التخريب، عبر خطوات عملية تبدأ بالعقوبات، وتصل إلى إعادة تعريف الخصوم داخليًا وخارجيًا.
ويأتي كل ذلك في الوقت الذي يواجه فيه الجيش السوداني مأزقًا استراتيجيًا: فقد استعاد وسط السودان والعاصمة، لكنه محاصر في غرب البلاد، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على معظم اجزاء دارفور، بل وتدير منها حكومة موازية انطلاقًا من الجنينة.. وتناوش بالقصف وتارة بالحصار مدن مهمة في كردفان
الواقع أن أي مفاوضات قادمة لن تقوم على انتصار، بل على استنزاف، خصوصا وان “اليد العليا” لم تعد في الميدان، بل في من يستطيع ضبط قاعدته، والالتزام بما يُتفق عليه.
وفي هذا الجانب، يبقى التيار الإسلاموي هو اللاعب الأكثر تهديدًا، لأنه لا يعترف بالخسارة إلا ليُعيد ترتيب هجومه.
لهذا، تبدو الرباعية، وخصوصًا واشنطن، مصمّمة على أن يمر هذا المسار دون تكرار أخطاء الماضي.
فالمفاوضات هذه المرة ليست تمرينًا سياسيًا، بل محاولة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من وحدة السودان، ومن فكرة الدولة نفسها.
ومن يُعرقل ذلك، سيكون خصمًا دوليًا، لا محليًا فقط.
بقى ان نقول بناء على حقائق الواقع، فإن الأرض فعلاً تهتز تحت أقدام الإسلاميين، ليس فقط لأن الرباعية تضغط، بل لأن الداخل يضيق، والخارج يتحفز، والأدوات القديمة لم تعد تعمل.
وإذا كان بعضهم لا يزال يراهن على “الفوضى الخلاقة”، فإن ما ينتظرهم هذه المرة قد لا يكون الفوضى، بل الإقصاء الكامل.. وربما النسيان..ففي السياسة، كما في الجيولوجيا، ليست المسألة من ينهار أولاً، بل من يقرأ الزلزال قبل وقوعه.
إنا لله ياخ..الله غالب .
#شبكة_رصد_السودان
Source