عن تجاوزات القوات المشتركة في الخرطوم
بقلم :: شول الدين لام دينق
أنا شول الدين لام دينق، صحفي من جنوب السودان، أكتب لأن الصمت على الجريمة خيانة، ولأن الحقيقة يجب أن تُقال مهما كانت مُرّة.
القوات المشتركة في الخرطوم لم تعد مجرد قوة عسكرية، بل تحوّلت إلى رمز لذهنية متكلّسة تعيش على وهمٍ تاريخي: أن السودان وُلد في 1956 ليكون دولةً حصرية للعرب وحدهم، وأن الآخرين مجرد توابع لا يحق لهم المشاركة في السلطة أو التاريخ أو الأرض. هذا الوهم الخطير هو أصل كل التجاوزات التي نراها اليوم.
من هذا الوهم، ينهل أفراد القوات المشتركة حقدهم على بقية المكونات السودانية. يرون أنفسهم أوصياء على الدولة، بينما ينظرون إلى الآخرين كغرباء في وطنهم. ولهذا تراهم ينهبون، يسرقون، ويقهرون المواطنين، وكأنهم يحمون ميراثاً شخصياً، لا وطناً متعدد الثقافات والهويات.
لكن الحقيقة التي يتعامون عنها أن السودان لم يُصنع في 1956 وحدها، ولم يكن نتاج قومية واحدة أو لغة واحدة. السودان صنعته دماء متفرقة من جبال النوبة إلى الجنوب إلى دارفور والشرق والوسط. إن حصر السودان في تاريخ زائف يجعل من “دولة 56” مجرد أسطورة عرقية لا علاقة لها بواقع الوطن المتنوع.
ما تفعله القوات المشتركة اليوم لا يمت لبناء وطن بصلة. بل هو إعادة إنتاج لسياسة الإقصاء نفسها التي فجّرت الحروب ومزقت السودان نصفين. وما لم يفهموه حتى الآن أن الشعوب التي قاومت منذ عقود ستقاوم من جديد، لأن الحق أقوى من الوهم، ولأن الوطن لا يُبنى على الكراهية والسطو والتمييز.
أقولها بوضوح: القوات المشتركة ليست مشروع وحدة، بل مشروع فتنة. وكل رصاصة يطلقونها، وكل بيت ينهبونه، وكل مواطن يُهان على أيديهم، هو شاهد جديد على أن أوهام 56 لن تُعيد السودان إلى الوراء.
السودان الذي نحلم به ليس عربياً ولا إفريقياً وحده، ليس إسلامياً ولا مسيحياً وحده، ليس مركزاً ولا هامشاً وحده. السودان وطن يتسع للجميع، أو لا يكون.
Source