أسطورة العدو واستعارة الصراع
(في نقد مناهج التحليل الثقافي)
✒️ الاستاذ: طارق الطيب
يطرح سؤال المركز والهامش في السودان تحديًا مستمرًا، إذ يتجاوز مجرد السلطة أو توزيع الموارد، ليصل إلى الهوية والثقافة وكيفية فهم الناس لمظالمهم اليومية. وقد برز في هذا الإطار فكران مهمان: أبكر آدم إسماعيل ومحمد جلال هاشم، اللذان يلتقيان في الاهتمام بالثقافة كجوهر للصراع، مع اختلاف في أسلوب المعالجة.
أبكر آدم إسماعيل صاغ خطابًا تعبويًا عبر أسطورة العدو. فهو يرى أن الظلم ليس حرمانًا اقتصاديًا فحسب، بل إقصاء ثقافي وهيمنة لهوية على أخرى. بهذا الشكل تحوّل الحرمان إلى علامة على إنكار الذات، ومنح المهمشين مرآة يطلون منها على وجعهم الجماعي، ويجدون سببًا لتوحيد جهودهم. رغم قوته التعبيرية، فإن هذا الأسلوب يبسط الواقع، إذ صار العدو يشمل السلطة السياسية وكل ما يُنسب إلى “ثقافة المركز”، مما يربك الفهم بين العدو الحقيقي والرمزي.
في المقابل، يقدم محمد جلال هاشم رؤية تركيبية من خلال مدرسة التحليل الثقافي، معتبرًا أن الثقافة بنية متحركة مليئة بالصراعات الداخلية. يميز بين الثقافة المهيمنة التي تعكس مصالح نخبوية، والثقافات المهمشة التي تُستبعد أو تُستوعب جزئيًا. يحذر من أسطرة الهوية المضادة، أي تحويل الهامش إلى كيان نقي يقف في مواجهة المركز، لأن الهامش نفسه يحتوي على صراعات وهيمنات صغيرة.
بهذا المزيج، يظهر دور خطاب أبكر في تعبئة الوجدان، بينما يمنح طرح محمد جلال أداة تحليلية تكشف حدود هذه الحكاية وتحميها من الانغلاق في أسطورة مغلقة. الأول يركز على التعبئة، والثاني على التفكيك، والسودان يحتاج إلى الاثنين معًا: أسطورة تعكس وجع المهمشين، وتحليل يذكر بأن المرآة قد تنعكس بشكل مشوّه إذا تحولت إلى هوية جامدة.
التهميش في السودان تجربة متعددة الأبعاد: اقتصادية حين يُحرم الناس من الخدمات والموارد، سياسية حين يُقصون من مواقع القرار، وثقافية حين يُنكر وجودهم الرمزي. والعدو ليس كيانًا ثابتًا، بل شبكة علاقات سلطة تتوزع بين المركز والهامش.
جدل أبكر وآراء محمد جلال يفتح أفقًا يجمع بين القوة الرمزية التي توحد الجماعة والتحليل البنيوي الذي يكشف حدودها. هكذا يمكن تجاوز ثنائية الضحية والجلاد والاقتراب من مشروع وطني أكثر عدلًا وإنسانية، يعترف بتعدد الهويات ويضع الإنسان في قلب المعادلة.
#مناظير_جديدة
Source