ويصنع الفلك
عثمان ميرغني
(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) سورة هود (38).
رجل يعكف على صناعة سفينة ضخمة، و ألف كيلومتر تفصله عن البحر؛ الأمر فعلا يستحق السخرية.
في أي ماء ستبحر؟ من يحملها بوزنها الثقيل كل هذه المسافات الطويلة للوصول إلى شاطئ البحر؟ ما فائدة سفينة بين سلاسل جبال ممتدة؟
صورة عبثية فعلا .. لسفينة في غير محلها.. و رجل مستغرق يضيع نهاره وعرقه وجهده وماله لصنعها.
لكن المسافة هنا ليست بين السفينة والبحر.. بل بين المشهد الظاهر و المستقبل المخفي في طيات زمن لم يأت بعد.
(قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)
سخرية الحاضر.. تتحول إلى سخرية المستقبل من الماضي.
العبرة دائما في الفاصل بين الحاضر والمستقبل.. عندما يصعب رؤية المستقبل يصبح الحاضر محكوما بمنطق اليوم.
ومنطق اليوم قد يظهر الأمر غريبا يدعو للسخرية.. و عندما يطوي الزمن صفحاته وتشرق شمس الحقيقة.. تتبدل الصورة.
الحاضر عين اليقين يراه الإنسان أمامه.. والمستقبل خيال لا تراه العين بالبصر.. بل بالبصيرة.
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لما دعا الناس إلى الإسلام. سخروا منه.. ما كانوا يعلمون أن نصف العالم سيدين له في المستقبل..
عندما بشرهم و همم محاصرون في الخندق أنهم سيفتحون بلاد فارس والروم..
سخر البعض وقال (أحدنا لا يستطيع أن يذهب لقضاء الحاجة.. وهو يحدثنا عن فارس والروم)
و جاء يوم اضيف لفارس والروم أندلس والهند والصين..
قبل سنوات حوالي 2020.. والسودان يعاني من قطع الكهرباء لأكثر من نصف اليوم.. بصورة يومية.. كتبت ( سيأتي اليوم الذي يصدر فيه السودان الكهرباء..).. فانفجرت موجة من (سخروا منه).. لأنهم ينظرون ببصر الحاضر لا بصيرة المستقبل.
الآن.. (برغم الجو الماطر والإعصار).. وكل الدماء والأشلاء (والحزن الساكن فينا ليل نهار).. سيأتي يوم قريب نرى السودان فيه دولة رائدة في محيطها الافريقي والعربي.. يحج إليها الاستثمار والاعمار و يستوطنها الازدهار..
الحاجز الذي نحتاج عبوره ليس بحرا متلاطم الأمواج.. بل “شبر ماء” ظللنا غرقى فيه منذ صباح الأحد 1 يناير 1956..
لنبدأ رحلة الخروج أولا من نفق الحـ؛رب..الآن..
نفتح عقولنا المغلقة على المسلمات.. لتنفتح لنا الأبواب..
#حديث_المدينة الأربعاء 24 سبتمبر 2025
Source