“حين يكون الانتماء وعيًا لا عارًا.. دفاعًا عن الانتماء للحركة الإسلامية في جنوب السودان”
بقلم: لام دينق نوت شول
يُدهشني – وليس من باب العجب، بل من باب الرثاء الثقافي – أولئك الذين يظنون أن الانتماء للحركة الإسلامية في جنوب السودان يُعدُّ نقيصة أو مثار خجل، وكأن الانتماء القيمي صار يُقاس بثياب التغريب أو بأهواء الدعاية السياسية. وهنا، لا بد من أن أضع النقاط على الحروف، لا دفاعًا عن نفسي، بل عن فكرة تُهاجم بجهالة من لا يعرفون التاريخ، ولا يحسنون قراءة الواقع، ولا يدركون أن الانتماء لتيار فكري لا يعني العبودية لفرد، بل يعني التزامًا بمشروع ووعيًا بمستقبل.
أولاً، الحركة الإسلامية في جنوب السودان لم تكن، في يوم من الأيام، طارئة على البيئة الفكرية والثقافية الجنوبية، بل نشأت من رحم هذا الشعب، وتبنت قضاياه، وتحركت وفق ثوابته الاجتماعية والروحية، وكانت ولا تزال جزءًا من نسيجٍ يعترف بتنوعنا ولا يُنكره.
ثانيًا، الخجل الحقيقي لا يكون في حمل الأفكار، بل في خيانة المبادئ. فإن كنتُ أنتمي لحركة تدعو إلى الإصلاح، إلى بناء الإنسان قبل البنيان، إلى الوعي قبل الولاء، فهل يُعدّ ذلك عارًا؟! إنما العار في التبعية العمياء، والفراغ الإيديولوجي، والعيش بلا بوصلة، والتأرجح بين موائد المنتفعين.
ثالثًا، لا تُقاس الحركة الإسلامية – ولا غيرها من التيارات – بما يُروَّج عنها في الإعلام، بل بواقع من يعملون على الأرض: هل نُسهم في التعليم؟ نعم. هل نُشارك في بناء الوعي؟ نعم. هل نخوض معركة الأخلاق والانضباط في زمن الانفلات؟ نعم، وبكل شرف.
رابعًا، إن جنوب السودان – كما السودان الأم – ليس بلدًا فارغًا من الفكر، ولا خاليًا من العمق الديني والثقافي، بل هو أرض رسالات ومعتقدات وأصوات تحمل بداخلها طموح أمة ناهضة. والحركة الإسلامية، على علاتها وأخطائها البشرية، لا تنكر شراكتها في هذه النهضة، ولا تهرب من مسؤولياتها، ولا تخجل من إرثها.
ثم دعوني أذكّر من يظن أن الإسلام حكرٌ على الجغرافيا أو اللغة أو العِرق، أن هذا الدين العظيم – الذي تنطلق منه الحركة الإسلامية – نزل على بشرٍ ليكون منهجًا لا قبيلة. “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ” [الحجرات: 13]، و”وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” [الأنبياء: 107]، فهل في الرحمة عار؟!
يا من تظنون أن في انتمائنا خجلًا: لقد تعبنا من حمل أوهامكم عنا. نحن لا نستحي من أفكارنا، بل نستحي من الصمت حين يُهان الفكر، ومن المواقف الرمادية حين يُطلب الوضوح.
إن انتمائي للحركة الإسلامية هو انتماء للعقل، للقيم، للنزاهة، لمشروع أخلاقي لا يذوب في وحل السياسة، ولا ينكسر تحت ضغط الجهل الجمعي.
وإن كنتم ترون أن في ذلك شبهة، فلتعلموا أن أولى الشبهات هي صمتكم عن الظلم، وتخليكم عن الهوية، وترديدكم لشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع.
وختامًا، فإن جنوب السودان لا يُختصر في جهة واحدة، ولا يُحتكر بفكر واحد، ولكنني فخور أن أكون أحد أولئك الذين اختاروا أن يسيروا بعقولهم لا بأهوائهم، وأن يصيغوا مستقبلهم بالحبر لا بالدم، وبالوعي لا بالصراخ.
Source