[ad_1]
كم لبثنا في الحـ؛رب ؟
عثمان ميرغني
890 يوما مرت حتى أمس منذ صباح 15 أبريل 2023.. تصور معي.. لو كان العقل المركزي للدولة السودانية يدرك أن الحرب ستبلغ هذا الرقم..
ذلك اليوم الذي لم يكن له أن يحل في صفحات تاريخ بلادنا لو امتلكت أدنى معايير الرشد.. ليس في تفاصيل الأيام الأخيرة فحسب، بل منذ الاستقلال وحتى ساعة الصفر.
وافترض معي أنها ستضع أوزارها خلال العشرة أيام المتبقية قبل أن تصل الرقم 900.
بعيدا عن السياق العسكري.. أتحدث فقط في الوجه المدني للحدث.. بحسابات مدنية بحتة..
أحسب معي..
الدولة تدرك أن مؤسساتها ستتعطل لمثل هذه المدة الطويلة.. المحددة بدقة.
خلال هذه الفترة حوالي 16 مليون سوداني نزحوا من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض إلى ولايات نهر النيل، والشمالية، والبحر الاحمر، و كسلا، والقضارف.
بعيدا عن أوصاف الحـ؛رب التي تستخدم تعبير “النازحين”.. فإن الوصف الفني أنها حراك سكاني هائل لم يكن نتيجة عوامل طبيعية بل بفعل انفجار ضخم أعاد تشكيل الخارطة السكانية للسودان.
لنترك حسابات الخسائر في كل الأوجه، البشرية والممتلكات ، والأموال، والبنى التحتية ، وتعطيل دولاب العمل في الدولة، و الخدمات الأساسية خاصة التعليم و الرعاية الصحية والكهرباء والماء وغيرها.
ونأخذ الوجه الايجابي.. الفرصة التاريخية المتحة لبناء دولة تتجاوز ماضيها وحاضرها الدموي والتخلف الحضاري والعمراني.. ابتدار مشروعات “حصاد ما بعد الانفجار”.. وهي كثيرة عددا ، وضخمة في عوائدها المباشرة وغير المباشرة.
تصور معي.. لو انتهزت الدولة الفرصة وبدأت ترتيبات مشروعات حقيقية لإعادة توزيع الكتلة السكانية. الذين عادوا لجذورهم ومواطنهم التي هاجروا منها إلى الخرطوم.. أمامهم فرصة مستقبل أفضل حيث الجذور.
الذين نزحوا لمناطق لا ينحدرون منها تاريخيا.. أمامهم فرصة الاستقرار في هذه المناطق، بتوفير البيئة الجاذبة التي ربما تغريهم بالاستمساك بها.. بحسابات الأرباح من تغيير المنطقة التي نزحوا منها..
مثلا أسرة كانت في ولاية الجزيرة.. ارتبطت بها تاريخيا.. أوضاعها كانت مستقرة في الجزيرة.. مع ظروف النزوح اختارت أن تذهب إلى مروي.. رغم أن ليس لها أية صلة تاريخية بها.. ولا أية روابط.. هنا تظهر الحاجة لابتداع مشروعات عمرانية وأخرى انتاجية لتجد مثل هذه الأسرة جاذبا للبقاء في مروي حيث المستقبل أفضل..
وعلى هذا قس بقية المناطق..
الفكرة كلها تدور حول خطط مدروسة لاستخلاص أكبر عائد إيجابي من رحيق الدماء و نار الأشلاء التي أنتجتها الحرب.
توزيع محاور التنمية في مدن قديمة متجددة.. وأخرى جديدة مستحدثة..مثلا..
عطبرة؛ ظلت تحمل علامة ” عاصمة الحديد والنار” لارتباطها بشبكة السكك الحديد.. وفق خطة مدروسة تحول بالكامل إلى “منطقة حرة”.. تلتقي فيها السلع الواردة من الموانئ في البحر الأحمر.. و من مصر و من ليبيا.. و ما تنتجه ولايات الشمالية ونهر النيل.. والبحر الأحمر وكسلا والقضارف.. ولموقعها الوسط الرابط بين كل هذه الولايات تتحول لأكبر سوق مفتوح في السودان لكل المنتجات الزراعية والصناعية.. معفية تماما من الجمارك..
ولأنها ملتقى الطرق الحديدية والبرية والنهرية فهي تصبح “عاصمة الاستثمار” بكل أنواعه.. مدينة تجذب الملايين بمستوطنات عمرانية ممتدة حولها على طول النيل ونهر عطبرة.
مدن جديدة.. يشيدها المطورون العقاريون في الشريط من القضارف حتى عطبرة.. و في سهول وادي الهواد..
تمزج هذه المشروعات بين الحاجة العاجلة لإيواء واستيعاب النازحين حتى لا يدفعوا ثمن التشرد مرتين.. مرة بترك بيوتهم و أخرى بحياة تنقصها الكرامة في ظل ايجارات باهظة و بيئة منحدرة و انعدام فرص العمل..
عمليات التشييد والعمران في حد ذاتها خلق لمئات الآلاف من فرص العمل تعوض الذين هجروا أعمالهم من مناطق نزوحهم..
بحساب 900 يوما للحـ؛رب.. فهي فترة زمنية كانت كافية لتنجب واقعا جديدا.. يغير حياة السودانيين إلى الأفضل.
لكنها بكل أسف – لغياب الرؤية والتخطيط- عادت بهم إلى حمى الضنك.. و ضنك الحياة.
#حديث_المدينة الاثنين 22 سبتمبر 2025
[ad_2]
Source


