رانيا الخضر: من شتائم “الداخلية” إلى أروقة العمل الطوعي… أي سقوط أخلاقي هذا؟
بقلم: لام دينق نوت شول
في زمنٍ مقلوب، تُصبح “الفضيحة” بوابة الشهرة، ويغدو الانحراف سُلّمًا نحو البطولة المجتمعية. وفي قلب هذه الصورة الباهتة، تبرز شخصية تُدعى رانيا الخضر، كمثال صارخ على العبث الذي يُمارس باسم “العمل الإنساني” في السودان، ويعكس حجم الخلل الذي أصاب معاييرنا الجماعية في التقييم والمحاسبة.
قبل أن تُصبح هذه السيدة “بطلة المبادرات”، عرفها الجمهور لأول مرة عبر مقطع مصوَّر أثار صدمة الرأي العام: امرأة في حالة سكرٍ بيِّن، ترتدي ملابس خادشة، تدخن الشيشة بلا أدنى اعتبار للذوق أو السياق، وتُطلق أقذر الشتائم على وزارة الداخلية السودانية، مستخدمة لغة لا تليق حتى في أسوأ الحانات الليلية.
كان يُفترض أن تكون تلك لحظة سقوط نهائي… لكن ما حدث بعدها كان أغرب من الخيال.
فجأة، اختفت رانيا الخضر عن الأنظار لبعض الوقت، ثم عادت – لا بالاعتذار أو التراجع – بل بثوب جديد، تتحدث عن “الخير”، و”الإغاثة”، و”خدمة المجتمع”، وتقتحم المشهد الإعلامي كأنها مناضلة وطنية ومُلهمة شعبية.
ما يُثير الحيرة ليس فقط هذا التحول المسرحي، بل أن قطاعاً واسعاً من الإعلام والمجتمع بدأ يتعامل معها كـ”شخصية عامة محترمة”، دون أن يسأل: من هي؟ ماذا قدمت؟ وما الذي تغيّر غير الثوب؟
إن من يعملون بصدق في المجال الإنساني، من شباب السودان وشاباته الطاهرين، يعلمون أن طريق العمل الطوعي ليس مسرحًا للترندات، بل ساحة عرقٍ وتضحية. فكيف نساوي بين هؤلاء، وبين من تقفز من حفلات المجون إلى مؤتمرات المبادرات، دون توبة أو توضيح أو مساءلة؟
بل المؤلم أن هذه السيدة باتت تتحدى علنًا رموز الدولة، وتُهاجم مؤسسات سيادية، وتستخدم لغة التحقير والتشكيك وهي نفسها لم تُقدم أي تبرير لما بدر منها سابقًا.
العمل الطوعي ليس مسرحًا للغسيل الاجتماعي
أنا لست ضد التوبة، بل أؤمن أن الإنسان يمكن أن يتغير. لكن التوبة تبدأ من الاعتراف. أما من يستخدمون قضايا الناس ومآسي الفقراء كمنصة لغسل ماضيهم، فهم يرتكبون جريمة أخلاقية مزدوجة: بحق الضحايا، وبحق القيم التي يدّعون تمثيلها.
وإن قبول الدولة والمؤسسات بوجود مثل هذه الشخصيات في الصفوف الأمامية، دون محاسبة أو تدقيق، هو قبول ضمني بتزييف الوعي، وانهيار معايير الاحترام والمسؤولية العامة.
إن ما نراه من رانيا الخضر ليس مجرد مشهد عابر، بل جزء من أزمة عميقة في مشهدنا العام، حيث يتم التلاعب بمفاهيم الشرف، والنضال، والخدمة، حتى يصبح كل من يصرخ أكثر، ويتعرّى أكثر، ويحصد “مشاهدات أكثر”، هو من يُصنّف ضمن “رموز المرحلة”.
إذا كنتم تسألون لماذا تدهورت صورة الدولة، ولماذا ضاعت القيم، فانظروا إلى مثل هذه النماذج التي صعدت بلا أساس، وتحدت الجميع بلا مساءلة.
وأنا، من مكاني كصحفي جنوبي وحدوي، حزين على ما آلت إليه بعض الوجوه في الشمال الذي أحببناه. السودان ليس فقيراً في الأخلاق حتى يتصدره من كانوا في الأمس أدوات تشويه، ويصبحون في اليوم التالي دعاة إصلاح.
Source


