[ad_1]
شذرات في راهن المحيط التابع
– أواب كرار
يأتي مشروع حركات التحرر في السياق الجنوبي او دول المحيط بتعبير سمير أمين كمشروع راهن ، و كأيديولوجيا سياسية تقع على نقيض مشاريع الهيمنة على مستوياتها المختلفة ؛ السياسي _الاقتصادي _الثقافي .
أثارت سياسة العولمة الاستعمارية سؤال الآخر على مستوى التبعية الثقافية ، و سؤال تعريف الحداثة كحلقة من حلقات تطور الرأسمالية الاوربية من موقع التابع جدلا واسعا بين مفكري الجنوب بتياراتهم المختلفة لكن في الختام يؤكدون بضرورة تخطي نظام التبعية و فضها بصورة نهائية .
في السياق الاقتصادي للعولمة نجد أن المستعمر يعيد انتاج هيمنته بالإستثمار في إعادة إنتاج الطبقات و الشبكات الاقتصادية القديمة بتابيد هيمنة البرجوازية الكولونيالية الرثة و بجانب ذلك في السياق الثقافي و الأخطر هو إثارة الهويات الجزئية و الثقافية و الدينية لإعداد طبقة سياسية بديلة في حالة الأنظمة المارقة كما في الحالة سوريا تم تفكيك الدولة الوطنية و استبدال الطبقة السياسية البعثية الشيعية العلوية بطبقة من وكلاء تركيا العثمانية الجديدة و الولايات المتحدة الأمريكية من السنة الجهادية و الفصائل الكردية المسلحة و نجد هذه الهويات الدينية و العرقية تستخدم بطرق مختلفة كيفما اتفق شكل ممارسة التبعية و إعادة إنتاجها كما في ليبيا التي انهارت دولتها الوطنية بفعل الصراع الهوياتي العرقي كمثال لدور الهويات العرقية في تهديد الأمن القومي بتغييب سؤال العدالة الاجتماعية و حدة الجماهير ؛ بهذا المنطق الثقافوى يفقد السياسي خاصيته من داعية للتحرر و المواطنة المتساوية إلى سمسار سياسي في مشروع معاد للدولة الوطنية و الحقوق السياسية الطبقية ، و نجد ذات هذه الأداة الخطيرة استخدمت في إيران و محاولة ضرب أمنها القومي بإستحضار هذه الهويات العرقية و الدينية ، الهويات السامة اكراد /عرب /فرس بغية اسقاط النظام و نهب مواردها الغنية .
بهذه الهويات العرقية و الدينية و الثقافية يسود اللا عقل واللا عقلانية الجديدة كخط دفاع غير مباشر للإستعمار بأوجهه المختلفة و يمكننا أن نسقط هذا التحليل على مجالنا السياسي السوداني الذي تسود فيه الممارسة الهوياتية للسياسة سواء ان كانت عرقية او دينية او ثقافية و هي مشاريع مهددة للأمن القومي و الدولة الوطنية على السواء و تستبعد السياق السياسي الراهن و سيرورة الدولة التابعة و حركة التحرر و الوضع الطبقي للمواطنين و ممكنات العدالة الاجتماعية بتقديم هذه المشاريع اللاعقلانية كخط دفاع غير مباشر للنيوليبرالية و سياسات الإفقار ، و إعادة تدوير الرؤى الاستعمارية الليبرالية ، دون إدانة لسيرورتها الاستعمارية و سيطرتها الراهنة و في هذا الفضاء يتشكل منطق الفكر التابع و يعد المخبر المحلي الذي يستثمر في هذه التناقضات التي عبرها يتدخل الاستعمار . و من هذه الحلقة نعمل على تصفية استعمار العقل ، بضرورة انتاج تعليم وطني نقي من الشوائب الاستعمارية لإعداد نخبة وطنية بديلة تحمل مشروع التحرير و تطور ثقافة التحرير ، و مثقف منحاز لقضايا الجماهير و المادية و ليس مثقف مختبئ خلف هوية أو رافعة خارجية للإمبريالية العالمية او وكلائه الطرفيين أو رافعة محلية من برجوازياتنا الرثة .
و في سياق الدولة القومية و بهيمنة العمولمة ، تتحول البلاد الى كارتيلات اقتصادية ، و يغيب مفهوم الحدود كعامل وقائي في وجه المحافظة على الثقافة القومية و رموزها ، و بالعولمة تتلاشى الحدود ، و تقحم البلدان التابعة قسرا في سياق حضاري يغيب خصوصيتها الثقافية القومية و يعيق نمو تبلور مشاريع فض الاستعمارية ، بسيولة الايديولوجيات السياسية بغياب التفكير في مفهوم الحدود القومية و الثقافة القومية و رموزها التي تستخدم في عملية كسر حلقة التبعية .
هذا و ياتي تعريف اللحظة التاريخية الإستعمارية و مكانيزماتها في العلاقة الغير متكافئة بين الشمال الرأسمالي /المستعمر و الجنوب التابع ، ينبغي الا ننظر للحداثة الأوربية من موقع الانكفاء على الذات و رفض كل منتجات الغرب الثقافية و العلمية حتى لا نقع في شباك الأصولية ، و الضحية المصاب بجرح نرجسي ، من يعتد بثقافته و يركن إليها و يرفض ما غيرها فنحن نحتاج للإستغراب و تملك العلم و الثقافة الأوربية و نقضها و تجاوزها و إستبقاء ما يخدم حركة التقدم و الثقافة و العلم و المعرفة .
لعل المفكر المغربي عبدالله العروي اول من إنتبه لضرورة إعادة قراءة مشروع الليبرالية التنويري الفتى لتثوير المجتمعات العربية التي ترزح في الوعي الموت و البنية الثقافية الاقطاعية الما قبل رأسمالية ، بغرض تخطي الثقافة التي ترتكن إليها البرجوازية العربية الرثة العاجزة عن انتاج فكرها السياسي العقلاني و التاريخي و التنويري . و طور هذا المشروع المفكر الماركسي ياسين حافظ بضرورة إعادة تقديم مشروع الحداثة الليبرالية في صورة تحديثية تثورية او ما أسماه بالتقدم التاريخي و توظيف كل هذه المنجزات في مشروع التقدم التاريخي و تجاوز حالة التأخر التاريخي و من هذه النقطة نؤكد ان المجتمعات البشرية و تقدمها الثقافي و السياسي و التقني هو نتاج لسيرورة طويلة من التفاعل Interaction بين الأمم و التقدم ليس حكرا لقوى بعينها بل هو نتاج لسيرورة طويلة من التفاعل بين الشعوب . و ياتي ذلك في مسعانا في ضرورة كسر حلقة الثقافة السائدة للبرجوازية الرثة المفلسة عن إنتاج مشروعها التقدمي التاريخي .
بدراستنا لمشروع الليبرالية التنويري و ليس الاستعماري ، المؤسس على مصادرة الذوات الأخرى غير الأوربية ، الحداثة الأوربية نجدها تقدم ذاتها كذات مفكرة ، عقلانية ، كما في كتابات مفكريها و فلاسفتها المتمركزين حول ذواتهم مثل كانط و هيجل فهم يرون ان الأمم الأخرى غير عقلانية و صوفية و راقصة و متوحشة و يستوجب تمدينها بالغزو ؛ و تطرح مشروعها الاستعماري و تفاعله مع الاخر ككشوفات جغرافية مهمتها تمدين المجتمعات الأخرى في مهمتها الحضارية ، كأن هذا الاخر لم يوجد قبل لحظة الاستعمار ، و لا حضارات و لا معارف ولا نظم سياسية و لا لديه مفهوم و تصور عن العالم.
[ad_2]
Source


