[ad_1]
المؤتمر الشعبي
جرأة التصريحات في لحظات مفصلية
قرأءة: عو ض فلسطيني
منذ تأسيسه في العام 1999 بعد مفاصلة الاسلاميين الشهيرة إثر انقسام الحركة الإسلامية السودانية برز حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الشيخ الراحل المقيم حسن الترابي كواحد من أكثر الأحزاب السودانية إثارة للجدل ليس فقط بسبب مواقفه السياسية بل بسبب تصريحاته الجريئة التي غالبًا ما جاءت في لحظات حرجة من تاريخ السودان فقد اتسم الحزب بنزعة نقدية حادة تجاه السلطة في كل مراحله رغم أنه كان جزءًا من بنائها في السابق وقدم نفسه لاحقاً كتيار إصلاحي داخل تيار الإسلام السياسي يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين الدين والدولة وبين السلطة والمجتمع.
من السلطة إلى المعارضة
تأسس المؤتمر الشعبي بعد انشقاقه عن المؤتمر الوطني الحاكم إثر خلافات فكرية عنيقة حول قضايا جوهرية من صميم أهداف الحركة وصيانة عهودها وقعت المفاصلة بطريقة حادة بين الشيخ حسن الترابي والرئيس عمر البشير بعد الخلاف حول قضايا تتعلق بتوزيع السلطة وتغوّل الأجهزة الأمنية وتهميش المؤسسات الديمقراطية وجوهر القضايا الفكرية والاسترايجية في تاريخ الحركة هذا الانقسام لم يكن مجرد خلاف إداري شكلي بل كان تعبيرًا عن رؤيتين مختلفتين لمشروع الحكم الإسلامي في السودان حيث تبنى المؤتمر الشعبي منذ تأسيسه خطابًا معارضًا وبدأ في بناء تحالفات مع قوى سياسية كانت تعتبر خصومًا تاريخيين للحركة الإسلامية مثل الحزب الشيوعي السوداني وحزب الأمة في محاولة لتشكيل جبهة وطنية عريضة ضد الاستبداد.
المواقف السياسية العامة
تميز المؤتمر الشعبي بمواقف سياسية واضحة في عدد من القضايا المفصلية منها الديمقراطية والتعددية وقضايا الحريات حيث دعا إلى إصلاح النظام السياسي السوداني وإقامة نظام ديمقراطي تعددي يضمن الحريات العامة وحقوق الإنسان ثم إهتدى الى الحوار الوطني الذي شارك في مبادراته رغم انتقاداته لطريقة إدارة العملية من قبل المؤتمر الوطني فكانت قضايا الهوية تبنى خطابًا مرنًا تجاه قضية الهوية مؤكدًا على التعدد الثقافي والديني في السودان.
العلاقات الخارجية:
انتقد الشعبي التبعية العمياء للمحاور الإقليمية ودعا إلى سياسة خارجية متوازنة تحفظ استقلال القرار السوداني وتأصل لعلاقة بين السودان وجيرانه مبنية على المصالح المشتركة.
التصريحات الأخطر في اللحظات الحرجة
في مسيرته تميز المؤتمر الشعبي بقيادة ذات كاريزما تحرك وتصنع الخبر بعناية فلم تكن تصريحات الدكتور حسن الترابي بشأن الجنائية الدولية في عام 2009م بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور الا تعبيرا عن قوة الارادة والتجرد في قول الحق المطلق مهما كان الثمن خرج الدكتور حسن الترابي بتصريح صادم للجميع في الساحة السياسية قال فيه إن على البشير أن يمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية مؤكدًا أن “لا أحد فوق القانون.
هذا التصريح أثار عاصفة سياسية لم تهدأ واعتُبر من قبل أنصار النظام الحاكم خيانة وطنية بينما اعتبره المعارضون موقفًا شجاعًا يعكس التزامًا بالمبادئ القانونية والعدالة الدولية وقد أدى التصريح إلى اعتقال الترابي لفترة في محاولة لإسكات صوت المؤتمر الشعبي لكن الترابي الذي كان أحد مهندسي النظام في بداياته أراد من خلال هذا التصريح أن يوجه رسالة مفادها أن المشروع الإسلامي لا يمكن أن يقوم على الإفلات من العقاب وأن العدالة يجب أن تطال الجميع بمن فيهم من كانوا في قمة السلطة.
موقف المؤتمر الشعبي من دخول القوات الأممية في دارفور (2004)
في العام 2004م ومع تصاعد الأزمة الإنسانية في دارفور وافق السودان على دخول قوات أممية لحفظ السلام بعد ضغوط دولية مكثفة حينها أعلن المؤتمر الشعبي تأييده لدخول هذه القوات الاممية معتبرًا أن الحكومة السودانية فقدت شرعيتها الأخلاقية في حماية المدنيين وقد وصف الحزب ما يحدث في دارفور بأنه “إبادة جماعية” وطالب بتحقيق دولي مستقل هذا الموقف كان نادرًا في المشهد السياسي السوداني حيث كانت معظم الأحزاب السياسية في الداخل تتجنب الاصطدام المباشر مع المؤسسة العسكرية أو الأجهزة الأمنية لما لها من سلطة مطلقة وجبروت حيث كانت تبطش بقواها الأمنية أي حراك او دعاوا سياسية او عمل مدني يقود القوى السياسية إلى وفاق
كما اعتبر المؤتمر الشعبي أن دخول القوات الأممية هو نتيجة طبيعية لفشل الدولة في إدارة الأزمة وأن السيادة لا تعني التستر على الجرائم بل تعني القدرة على حماية المواطنين.
تصريح الدكتور علي الحاج حول استخدام السلاح الكيماوي
في عام 2025م أدلى الدكتور علي الحاج محمد الأمين العام للمؤتمر الشعبي بتصريح حسبه مراقبين بالخطير اتهم فيه الحاج الحكومة السودانية باستخدام أسلحة كيماوية في مناطق النزاع خاصة في دارفور وجبال النوبة وقد استند في تصريحه إلى تقارير دولية منها تقرير منظمة العفو الدولية الذي تحدث عن استخدام محتمل لأسلحة محرمة دوليًا هذا التصريح أثار غضب الحكومة التي نفت الاتهامات بشدة واعتبرته محاولة لتشويه صورة السودان دوليًا لكن المؤتمر الشعبي أصر على ضرورة التحقيق المستقل ودعا إلى فتح البلاد أمام لجان دولية لتقصي الحقائق وقد اعتبر كثيرون هذا التصريح من أخطر المواقف التي تبناها الحزب لأنه يضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي ويهدد بعزلها دبلوماسيًا.
المؤتمر الشعبي بعد الترابي بين التماهي والتمايز
بعد وفاة الدكتور حسن الترابي في عام 2016 واجه المؤتمر الشعبي تحديات كبيرة في الحفاظ على خطه السياسي المستقل فقد دخل في تحالفات مع المؤتمر الوطني ضمن حكومة الوفاق الوطني وهو ما اعتبره البعض تراجعًا عن خط المعارضة الجذرية لكن الحزب حاول أن يوازن بين المشاركة السياسية والنقد الداخلي فانتقد سياسات الحكومة في ملفات مثل الحريات العامة والفساد والعلاقات الخارجية خاصة التوجه نحو روسيا وطلب إقامة قاعدة عسكرية في البحر الأحمر وهو ما وصفه كمال عمر القيادي في الحزب بأنه “إخلال بالسيادة الوطنية.
كما رفض الحزب قانون الإجراءات الجنائية الجديد واعتبره محاولة لإضفاء الشرعية على انتهاكات جهاز الأمن مؤكدًا أنه سيصعد رفضه باستخدام الوسائل السلمية.
المؤتمر الشعبي والثورة السودانية (2018–2019)
خلال الثورة السودانية التي أطاحت بنظام البشير تبنى المؤتمر الشعبي موقفًا داعمًا للحراك الشعبي لكنه حاول أن يحافظ على تمايزه عن القوى العلمانية فقد دعا إلى انتقال سلمي للسلطة ورفض المحاصصة الحزبية وطالب بإشراك كل القوى السياسية في صياغة مستقبل السودان
لكن مشاركته في بعض مراحل الحوار مع المجلس العسكري أثارت انتقادات حيث اعتبره البعض يسعى إلى إعادة إنتاج النظام القديم ومع ذلك ظل الحزب يؤكد على ضرورة بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم التعدد وتضمن الحقوق.
حزب في قلب العاصفة
يُعد المؤتمر الشعبي نموذجًا لحزب سياسي إسلامي حاول أن يعيد تعريف نفسه بعد الانفصال عن السلطة وقد اتسمت تجربته بالجرأة في التصريحات خاصة في لحظات حرجة مثل موقفه من الجنائية الدولية ودخول القوات الأممية واستخدام السلاح الكيماوي.
ورغم التحديات التي واجهها بعد وفاة الترابي لا يزال الحزب يحتفظ بمكانة خاصة في المشهد السياسي السوداني كصوت نقدي داخل التيار الإسلامي يسعى إلى التوفيق بين المبادئ الدينية ومتطلبات الدولة الحديثة.
إن جرأة التصريحات التي تبناها المؤتمر الشعبي لم تكن مجرد مواقف إعلامية بل كانت تعبيرًا عن رؤية سياسية ترى أن العدالة والشفافية والمحاسبة هي أساس الحكم الرشيد وأن السيادة لا تعني التستر على الجرائم بل تعني القدرة على حماية الإنسان وصون كرامته.
[ad_2]
Source
