يمين يسار: هل يمكن أخذ القحاتة على محمل الجد؟ وهل يمكن أن تتوقف المزاحمة عند بعض الإسلاميين؟
هشام عثمان الشواني
أمين الفكر و الثقافة بحركة المستقبل للإصلاح و التنمية
___________________________
* تعودت مؤخرا على التوقف عن التعليق اليومي في السياسة والمجال العام السوداني، وربما أتعود أكثر على ذلك، ليس يأسا ولا عزلة لكن حاجة لمراقبة فرضتها اهتمامات ومشاغل بأمور أخرى. لكني وفي هذه المراقبة لاحظت ظاهرتين مرتبطتين ببعضهما البعض، إحداهما ذات صلة بالقحاتة والأخرى ذات صلة ببعض الإسلاميين. لن أكرر هنا الحديث عن وجود مشكلات في الفصيلين وأهمية اكتشاف طريق ثالث، في الغالب هذا تنظير صوري حين يقوله السياسيون، ومستمد من أرضية التنافس وسحب البساط والمزاحمة عن طريق الألاعيب اللفظية والتنميطات الكلامية.
* إن مشكلة القحاتة كبيرة، وبقول واحد مشكلة القحاتة أنهم (عملاء ضد مشروع الدولة الوطنية المستقلة والمتحررة من تبعية الغرب، والمحافظة على السيادة الوطنية وهويتها الحضارية) القحاتة ضد ذلك تماما وهم حالة فكرية عالمية وعولمية تجدها في دول كثيرة، وتمثل حالة غالب الليبراليين في العالم الثالث، ذلك الذي تشكل أفق فكره وأحلامه وآماله وخطاباته من تصورات الغرب عنا وعن تاريخنا وثقافتنا وديننا، القحاتي هو كائن مستشرق سوداني، هو مخبر محلي وظيفته فتح البلاد للغرب على كافة الأصعدة. وهو في ذلك قد يكون صادقا أشد الصدق، ويرى نفسه في مهمة (رسولية واستنارية ونضالية) على طريقة النور حمد والقراي وياسر عرمان والحاج وراق مثلا، لكن في صميم هذه الحالة المتعلمة تكمن روح هزلية، تقوم على (المكاواة) والتنافس المرضي والاغتصاب الممنهج للمنطق والحس السليم، والقحاتي في سبيل دعم فكرته التي يؤمن بها إيمانا أعمى سيستخدم كل المغالطات المنطقي لذلك فهو جوهره حالة هزلية وإن كانت سمجة وبغيضة أحيانا.
*ضحكت قبل يومين من محموعة مقالات كتبوها القحاتة بعد ندوة ظهر فيها قيادي بالمؤتمر الوطني، فإذا هي فرصة لكلام عمن أشعل الحرب وغيرها من القصص التي يدعونها وقد حشروها حشرا في كل خطاباتهم، المضحك أنهم لا يترددون في القفز للنتيجة دون ربط منطقي ودون خجل. فبعد حشد كلامي تجد تأكيد النتيجة التي حددوها قديما بأن الحرب ليست سوى حرب إسلاميين، ولا فرق لو وصلوا لهذه النتيجة أو قالوا: إذن هناك كائنات فضائية أشعلت الحرب. لا فرق لأنه وكما يقال (ماهو كلام والسلام).
*القحاتي لا يجب أخذه على محمل الجد، بمعنى لا يجب أخذه على محمل الجد من ناحية فكرية أو تاريخية أو منطقية، هم حالة هزل وهتر أجوف، ويجب التعامل معها في هذا المستوى وأدواته. فمثلا إحدى الصحفيات ممن كشفت جوانب بسيطة من التمويل الغربي للقحاتة وقت أن كانوا يسمون أنفسهم تقدم، وقد كان لاعترافها وقعا قويا ونالت على إثره توبيخ من الزملاء حتى أزيحت عن منصبها، هذه الصحفية المتوترة المتشنجة فرحت بحديث قيادي حزب المؤتمر الوطني واتهمت كل الإسلاميين بأنهم شاركوا في ورشة خارجية مع منظمة بروميدييشن. المضحك أنها ساوت بين اجتماع فصائل محددة كان تقديرها أن تجتمع مع المنظمة رغم خلافنا مع تقديرهم، لكنها ساوت بين ذلك وبين الارتباط العضوي بالمال والتمويل الغربي ووحدة الهدف مع القحاتة، هذه حقيقة منطقية بسيطة لا تحتمل الشك أصلا لكنها ليست مهمة في نظر القحاتي، لماذا؟ لأن القحاتي يغتصب المنطق السليم لصالح رغباته، وتحركه الأحقاد والعواطف المريضة والكراهية المفرطة نحو ما هو وطني. هذه حالة نفسية نابعة من عقدة ذنب عميقة أو من كراهية الصوت الذي يذكرهم بالنقيض.
* من ناحية أخرى هناك مشكلات لدى كثير من الإسلاميين خصوصا ممن كانوا في الحكم، إن مشكلة المزاحمة في كل شيء، ومشكلة الوقوع في فخاخ خارجية نتيجة لتحليلات محدودة عن الواقع أو عن تعظيم خلافات تنظيمية وهمية لا معنى لها، كل ذلك قد يدفعهم لاتخاذ قرارات خاطئة أو تبني لغة خطاب في غير محلها، إن الحوار مع الغرب مهم وضروري وفعليا فإن الإسلاميين والوطنيين بمعناهم العام هم الذين يمكن تسمية حوارهم مع الغرب بالحوار الفكري لأنه حوار يملك الإطار المفاهيمي لتحديد جوانب الصراع بجانب التحرر النفسي والكرامة الفكرية لو صحت العبارة، وهو صراع بالمعنى الحضاري التاريخي وبالمعنى الوطني والتحرري، لكن من الخطورة إسقاط هذه الحقيقة على تنظيمات معينة وأدوار تقوم بها جهات مشبوهة ونظن أننا نحاور الغرب. يجب دوما جعل الحوار ذو الأجندة السياسية يتم وفق شروط تتسق والأهداف الوطنية، ومن الخطورة اليوم وفق تحليلات كثيرة يطول شرحها أن تلتقي منظمة غربية بأحزاب تصفها بالأحزاب الإسلامية منفردة دون غيرها، هذا تقسيم مضلل خبيث ومصدر ليعلو على المشهد ككل، أذن هذا لقاء يتم وفق استراتيجية خصمك وعليه فأنت خاسر حتى لو قلت أي شيء في اللقاء، يجب إذا حدث لقاء أن يحدث مع الجميع. لماذا؟ لأن العنصر الوطني المتماسك هنا سيعمق الطرح ويقف ضد كل التدخلات الخاطئة، ويعكس الطبيعة الحقيقية لما يجب أن تكون عليه الطبقة السياسية دونا عن القحاتة ومنظمات الغربيين عندنا، المرتبطة عضويا بالغربيين وشبكات تمويلهم ومنقطعة عن السودانيين وأهلهم بل قد تصفهم بأسوأ الألفاظ كما فعلت تلك الصحفية من قبل حين وصفت السودانيين بالبهائم التي تعلف، عموما هي مسألة تحتاج دوما لتحليل معمق للواقع بعيدا عن الأمور التنظيمية.
* بعض القادة السياسين في عمر الشيوخ عليهم مراجعة موقفهم من العمل العام، لست ممن يقولون بأن العمر المتقدم يستوجب توقف العمل، فالإنسان مكلف طالما كان عاقلا وقادرا، لكن العمر المتقدم يستلزم دورا معينا في كل مرحلة، ومن هم في عمر الشيوخ من الأسلم لهم ترك القيادة المباشرة والمزاحمة التنظيمية والمساجلات الشخصية والتركيز على عمل ينفع الصالح العام، مع منح جزء من وقتهم لاستخلاص عبرة من تجربتهم وتوثيقها ومراجعتها والتحدث بلغة تصالح وحكمة، هذا الأمر مقصود به الجميع وليس حزبا بعينه أو فصيلا بعينه.
Source