ردّ على الشرطي ود المصطفى
بقلم:شول الدين لام دينق
يا ود المصطفى،
ليس من عادتي أن أنشغل بالصغائر، ولا أن أضيّع وقتي في الركض وراء الأوهام، غير أنّي وجدتني اليوم مضطرًا أن أضع النقاط على الحروف، حتى لا يختلط الحق بالباطل، ولا تُبنى المواقف على الظن والشكوك.
لقد ورد في حديثك أنّ البلاغ الذي فُتح في مواجهتك ما هو إلا “ترضية” لي، كأنّي أجلس في الظلال منتظرًا أن تُصنع لي الانتصارات الوهمية عبر أبواب النيابات والبلاغات. وهذه، يا صاحبي، فرية لا تحتمل السكوت.
فأنا، لام دينق نوت شول، صحفي مستقل، لا سلطان لأحدٍ عليّ سوى قلمي وضميري. لم أتعود أن أبيع مواقفي في سوق السياسة الرخيص، ولم أعرف يومًا أن أطلب من أحد أن يقاتل نيابة عني أو يفتح بلاغًا لينال رضاي. بلاغاتكم شأنكم، وما أكتبه شأني، وما بيننا ليس إلا خلاف في الرأي، وهو خلاف شريف إن التزم حدوده، ومشروع إن ظل في دائرة النقد والتقييم.
إن الاختلاف الذي يجمعني بك ليس خصومة شخصية ولا عداوة عمياء، بل هو اختلاف مبني على احترام الآخر، وتقدير حقه في أن يقول ما يشاء. غير أنّ النقد، يا ود المصطفى، حق متبادل، وما أقوله عنك وعن غيرك إنما هو قراءة موضوعية لما تقدمه من طرح. فإن أصبت فذاك مرادي، وإن جانبت الصواب فلك أن ترد بالحجة لا بالشكوى، وبالمنطق لا بالاتهامات.
ثم اعلم، يا صاحبي، أنّي لست ابن هذه الأرض وحدها، بل أنا ابن جنوب السودان، صحفي معارض لنظام سلفاكير، أكتب من موقع الشاهد على ظلم السلطة وتقصير النخب. فهل يعقل أن يرضيني بلاغ يفتح في الخرطوم أو غيرها؟ وهل يليق بمن حمل همّ وطنين، جنوبًا وشمالًا، أن ينتظر “ترضية” من نيابة أو محكمة؟
إنني لا أبحث عن نصرةٍ من محاضر الشرطة، ولا أنتظر من أحد أن يصنع لي عدالة زائفة، فعدالتي هي قلمي، ونصرتي هي كلمتي، والرصيد الحقيقي للصحفي هو قدرته على أن يظل واقفًا في وجه العاصفة، لا أن يتكئ على أكتاف غيره.
يا ود المصطفى، لا أطلب منك أن تتفق معي، ولا أرجو منك أن تصفق لي، غير أنني أرجو أن تتجرد للحق، وأن تعلم أنّ الاختلاف بيننا هو اختلاف في الأفكار لا في الأشخاص، في المواقف لا في الذوات. وما دام الأمر كذلك، فلن يكون بيني وبينك إلا الاحترام، حتى وأنت تكتب ما أعارضه، وحتى وأنا أكتب ما يثير ضيقك.
فدع عنك يا صديقي أوهام “الترضية”، ولا تحاول أن تحمّلني وزر بلاغ لم أطلبه ولم أفرح به، فأنا أكبر من أن أُرضى بخصومتك، وأرفع من أن أستظل بظل لا صنع لي فيه.
الكلمة، يا ود المصطفى، هي ميداننا، والصحافة هي معركتنا، والاختلاف هو طبيعتنا، فلا تحوّلها إلى خصومة شخصية، ولا تجعلها ذريعة لاتهامات واهية. فإن كنت ترى في قلمي ما يزعجك، فرد عليه بالقلم،
وختامًا، أقول لك:
إن الصحافة إن لم تكن مستقلة فهي عبودية، وإن لم تكن حرة فهي خيانة، وإن لم تكن صادقة فهي محض دعاية. وأنا اخترت أن أكون صحفيًا حرًا، مستقلاً، معارضًا، صريحًا، أقول ما يمليه عليّ ضميري لا ما تمليه عليّ الأحزاب ولا الأجهزة.
فإن أردت أن نختلف فليكن اختلافنا شريفًا، وإن شئت أن نتحاور فليكن حوارنا نظيفًا، وإن كتبت عني فاجعل الحق رائدك، كما أجعل الحق رائدي في ما أكتب عنك.
Source