[ad_1]
سبعون عام من العزلة: قراءة تاريخية في مأزق الدولة السودانية
✍️ #غزالي_آدم_موسى
عند النظر إلى الحاضر السوداني المضطرب، لا يمكن فهمه بمعزل عن الماضي الذي صُنع فيه. لحظة الاستقلال في الأول من يناير 1956 لم تكن بداية صفحة جديدة نقية، بل استمرارية لخطابات وأزمات استعمارية موروثة، وحالة انقسام عميقة لم تُعالج جذريًا، بل تراكمت عبر سبعين عامًا من التجارب السياسية والاجتماعية التي شكلت الدولة وهويتها، أو بالأحرى غيابها.
1956–1958: الميلاد السياسي في ظل المحاصصات الضيقة
كانت أولى حكومات السودان ما بعد الاستقلال محكومة بمنطق المحاصصة الضيقة التي أضعفت فرص بناء دولة جامعة وقادرة على احتواء التنوع العرقي والثقافي. قضية الجنوب، التي لم تُحسم بحلول سياسية عادلة، أصبحت نواة الصراع المستمر. عدم وجود عقد اجتماعي متين حول الدولة إلى كيان هشّ، قابل للانهيار المبكر.
1958–1964: عسكرة الهوية وتفكيك الدولة
انقلاب عبود العسكري لم يكن انفصالًا عن المأزق، بل تجسيدًا له. بدلاً من معالجة جذور الأزمة، اتخذ الجيش دورًا أيديولوجيًا فرض من خلاله سياسات التعريب والأسلمة التي عمّقت الانقسامات الداخلية، وأشعلت أزمة الهوية الوطنية.
1964–1969: الديمقراطية الهشة وفشل التوافق
عودة الحكم المدني لم تجلب إصلاحات جوهرية، بل كررت أخطاء النخب السياسية التي عجزت عن بناء توافق وطني شامل، خاصة في معالجة قضايا الجنوب. هذا الفشل السياسي والاقتصادي مهد الطريق لانقلاب نميري.
1969–1985: نميري بين السلام المفقود والحرب المتجددة
كانت اتفاقية أديس أبابا 1972 لحظة إنجاز تاريخي، لكنها سرعان ما انهارت بفعل نقض الاتفاق وإعادة تقسيم الجنوب وفرض “قوانين سبتمبر” التي أشعلت الحرب الأهلية الثانية. التذبذب الاقتصادي بين التأميم والانفتاح العشوائي زاد من ضعف الدولة وعمّق أزماتها، مما أدى إلى انتفاضة أبريل 1985.
1985–1989: انتقال مرتبك وسط أزمات متفاقمة
حكومة الصادق المهدي ورثت دولة منهارة، لكنها لم تستطع خلق عقد سياسي جديد قادر على وقف النزيف. استمرار الأزمة الاقتصادية والصراعات المسلحة جعل البلاد عرضة لانقلاب جديد.
1989–2019: الإنقاذ وتفكيك الدولة
جاء نظام الإنقاذ بقيادة البشير ليعيد رسم الدولة على قواعد حزبية ضيقة. تم تفكيك مؤسسات الدولة وتحويلها إلى أداة بيد النخبة الحاكمة، ما رسخ الانقسامات وأضعف فرص التوافق الوطني. هذه المرحلة كانت الأطول والأخطر في مسار الدولة السودانية.
2021–2025: انقلاب البرهان والحرب الشاملة
انقلاب 25 أكتوبر أعاد عسكرة الحكم، ثم انفجر الصراع بين الجيش وقوة شبه عسكرية (الدعم السريع) غذّتها سياسات البشير نفسها. الحرب التي اندلعت في 2023 دمّرت البنية التحتية، شردت الملايين، وفتحت الباب لانفصالات فعلية في بعض الأقاليم. هذه الحرب ليست حادثًا عابرًا، بل نتيجة ثلاثة عقود من تفكيك الدولة و”خصخصة العنف”.
خلاصة الأخطاء الكبرى
غياب عقد اجتماعي جامع يحدد بوضوح شكل الدولة وتوزيع السلطة والثروة.
عسكرة السياسة وتسييس الجيش، مع إقصاء المؤسسات المدنية.
سوء إدارة التنوع الثقافي والديني واللغوي، ورفض حلول فدرالية عادلة مبكرًا.
الاعتماد على اقتصاد ريعي، مع إهمال الزراعة والصناعة.
التديين السياسي من أعلى، ما فجّر حروب هوية.
خصخصة العنف عبر مليشيات، وتقويض احتكار الدولة للسلاح.
فساد مؤسسي وشبكات تمكين حزبية.
ارتهان السياسة الخارجية لمصالح البقاء في السلطة لا لمصالح الوطن.
تسييس التعليم والخدمة المدنية، وهجرة الكفاءات.
تفكيك النظام القديم دون بناء مؤسسات بديلة خلال الفترة الانتقالية.
نحو عقد اجتماعي جديد
الأزمة الحالية في السودان ليست نتاج لحظة عابرة، بل تراكم متصاعد من الأزمات السياسية والاجتماعية التي لم تُحل عبر التوافق الوطني أو بناء مؤسسات قوية تمثل كل السودانيين. قراءة هذه المحطات التاريخية تمثل مفاتيح لفهم تعقيدات الحاضر، وتوجيه الجهود المستقبلية نحو بناء عقد اجتماعي جديد يحترم التنوع ويؤسس للسلام والاستقرار.
[ad_2]
Source


