[ad_1]
#أحمد_عثمان_جبريل ..
# يكتب:
البرهان إلى القاهرة مجددًا .. ماذا يريد السيسي ؟
“الثقل الحقيقي لا يُقاس بما نحمله، بل بما لا نستطيع الإفلات منه.”
ميلان كونديرا : “كائن لا تحتمل خفته”
لا يكاد الفريق البرهان يعود من زيارة خارجية، حتى تُسحب وراءه خيوط شكٍ وتساؤلات، خاصة إذا كانت وجهته القاهرة.. فالعلاقة التي تجمعه بالرئيس السيسي لم تعد مجرد تواصل طبيعي بين بلدين جارين، بل أضحت، في نظر كثير من السودانيين، علاقة ملغومة بالمصالح، يغلب عليها الطابع الوصائي أكثر من كونها شراكة ندية..هكذا يتحدث السودانيين في مجالسهم.
ففي زمن تتبدد فيه الأوطان بين رصاص الأخوة وصفقات العواصم، تصبح زيارة قائدٍ عسكري لدولة مجاورة ليست مجرد محطة بروتوكولية، بل ثِقلاً يُضاف إلى مصير أمة. وعندما يكون هذا القائد هو البرهان، وتكون وجهته القاهرة، يتضاعف هذا الثقل.. تلك العلاقة المركّبة التي تجمع البرهان بالسيسي لم تعد قابلة للقراءة بوصفها “تعاونًا بين دولتين شقيقتين” بل باتت أقرب إلى شيفرة سياسية تكتب في الكواليس وتُقرأ على أرض السودان، دمًا ودمارًا وتشظيًا في السيادة.
ليبقى السؤال ماذا يريد صاحب السيسي من البرهان؟ وكذلك ماذا يريد منه البرهان؟ فزيارة البرهان المرتقبة إلى مصر، ليست كسابقاتها من حيث التوقيت أو الخلفيات، إنها تأتي في لحظة فارقة، حيث يتزايد الحديث عن تسوية “ما” تتشكل في الأفق، بينما الخرطوم تعاني من وطأة حرب لا تلوح لها نهاية، وقوى الداخل تمزقها الانقسامات، وقوى الخارج تتربص لتعيد ترتيب الأوراق وفق مصالحها.
ووفقا للواقع السوداني، فإن ثلاث ملفات لن تغيب عن مائدة النقاش وهم التسوية السياسية، والتنسيق الأمني والعسكري، والتموضع المدني الجديد .. أما عن التسوية فيبدو أن مصر تسعى للعب دور المنسق الإقليمي، ومن خلالها تسعى مصر لضمان حضور الجيش كفاعل رئيسي، وتحاصر تمدد الدعم السريع، خاصة مع ما يُقال عن تنسيق (إماراتي – إثيوبي) لصالح حميدتي، وهو ما يثير قلق القاهرة تاريخيًا، في ظل معلومات غير مؤكدة عن دعم لوجستي مصري غير مباشر للجيش السوداني.
أما التموضع المدني الجديد، حيث تُراهن القاهرة على تكتلات مدنية “مُطيعة” يمكن تحريكها كغطاء سياسي لأي تسوية تُدار عبر قيادة الجيش، لتجنب الفوضى، لا لتحفيز الديمقراطية.. إلى جانب الملف الاقتصادي والإنساني، فقد يكون البرهان بحاجة ماسة لدعم مصري (ولو رمزي) في إدارة الوضع المعيشي المنهار في مناطق سيطرة الجيش، في ظل العزلة الدولية وانقطاع الموارد.
الكثير من السودانيين ينظرون إلى زيارة البرهان للسيسي، كمن يستجدي الرضا السياسي، لا كشخصية قيادية تبحث عن مصلحة بلدها بندّية. لماذا؟ لأن ما من زيارة للبرهان إلى القاهرة إلا وتبعها قرار مصيري أو تحرك على الأرض، غالبًا لا يحقق مصلحة الشعب ولا يعكس إرادته.. ولأن المصريين أيضًا لم يُخفوا يومًا ميلهم لاستقرار يقوده الجيش في السودان، يرونه الأقرب لرؤية الدولة المصرية التقليدية: مركزية، أمنية، تُبقي على الخرطوم خالية من مفاجآت السياسة أو صخب الديمقراطية.
ليأتي السؤال الأهم: هل ذهب البرهان ليضع اللمسات الأخيرة على تسوية تُخرج البلاد من أزمتها، أم ليُؤكد مجددًا اعتماده على القاهرة في البقاء السياسي؟.. الجواب حتى الآن ضبابي. لكن إن كانت الزيارة تهدف لإنتاج تسوية تقفز على جذور الحرب، وتُقصي فاعلين أساسيين، وتُكتب في الغرف المغلقة، فستكون بلا شك، تسوية قصيرة العمر. فالسودانيون لم يعد يُخدعهم “غبار السيادة” ولا “أناشيد الوطنية” ما دامت تُعزف على وقع البنادق وصفقات العواصم.
ولكن لماذا كل هذا القلق الشعبي من زيارات البرهان إلى القاهرة؟ ببساطة، لأن ما من زيارة تمت إلا وتبعتها خطوات تقوّض حلم السودانيين في الحرية والعدالة.. ولأن القاهرة، رغم روابطها التاريخية بالسودان، لم تكن يومًا وسيطًا محايدًا، بل طرفًا يسعى لحفظ مصالحه، حتى لو كان الثمن بقاء السودان في حالة “لا سلم ولا سيادة”.. والبرهان في زيارته هذه لا يبدو ذاهبًا بصفته “رئيس مجلس سيادي”، بل كقائد يبحث عن غطاء سياسي، وربما مهرب تكتيكي من ضغوط الداخل وتململ الإقليم.
السودان اليوم يقف بين فكي كماشة: حرب عبثية في الداخل، وعبث سياسي في الخارج.
وكل زيارة خارجية، خصوصًا لمصر، تُقرأ لا بما يُقال فيها، بل بما يحدث بعدها على الأرض.
إن أراد البرهان أن يُسجّل زيارة مختلفة هذه المرة، فليذهب إلى القاهرة بملف يتحدث عن السودانيين لا عن نفسه. عن وطن لا عن سلطة.
وإن لم يفعل، فسيظل، كما وصف كونديرا، محكومًا بثقلٍ لا يمكنه الإفلات منه، لكنه للأسف، يُلقي به على أكتاف شعبٍ بأكمله.
إنا لله ياخ.. الله غالب.
[ad_2]
Source
