[ad_1]
السيف والنار في السودان: عبثية الحرب وصراع السلطة على أجساد المدنيين
✍️ #غزالي_آدم_موسى
لم يعد السودان اليوم مجرد ساحة صراع بين جيش نظامي ومليشيا خارجة عن القانون خرجت من رحم الجيش وتمردت عليه، بل تحول إلى مشهد عبثي أكثر تعقيدًا: بلد يدار بحكومتين متناحرتين.
حكومة أمراء الحرب في نيالا، التي تزعم أنها صوت الهامش، كانت تبحث عن الديمقراطية في بيوت المواطنين وممتلكاتهم، وأصبحت الآن تبحث عن شرعية من فوهة البندقية، بعد أن كرّست كل سلطتها وجبروتها على الخراب في أنقاض المدن والقُرى المنكوبة.
وحكومة تحالف الأعداء في بورتسودان، وهي خليط هجين من الجنرالات، زعماء الإدارات الأهلية، كتائب إسلاميين وفلول النظام السابق، اجتمعوا جميعًا في تحالف يشبه تحالف “الإخوة الأعداء”. ما يجمعهم ليس مشروعًا وطنيًا ولا رؤية سياسية واضحة، بل الخوف المشترك من تمدد الدعم السريع، والحفاظ على امتيازات الماضي.
وهكذا تحولت هذه الحكومة إلى سلطة تقتات على إعادة تدوير الإسلاميين وتمكينهم في مفاصل الدولة، بدءًا من المحكمة الدستورية وانتهاءً بمكتب النائب العام، في استنساخ فجّ لحقبة التمكين الأولى التي فجّرت ثورة ديسمبر.
هذا الواقع المزدوج يعيد إلى الأذهان نموذجًا مألوفًا للسلطة الممزقة: مؤسسات موازية، جيوش موازية، وبوادر تقسيم تلوح في الأفق.
لكن المشهد السريالي الأكثر غرابة يكمن في حرية تحرك قادة طرفي النزاع.
حميدتي يتجول في شوارع وأسواق نيالا وكأنه في ضيافة، دون أن يطارده طيران الجيش الذي اعتاد قصف المستشفيات والأسواق.
والبرهان يأكل ويشرب مطمئنًا في أسواق الخرطوم، دون أن تستهدفه مليشيا الدعم السريع التي تخصصت في قصف محطات الكهرباء والسدود ومنازل المدنيين.
أي حرب هذه التي تجنب قادتها الخطر المباشر وتترك المدنيين في مرمى النيران؟
المفارقة نفسها تتجلى في ما يُروّج له كـ”انتصارات عسكرية”.
بدأ من تحرير سنجة، إلى انسحاب المليشيا من الجزيرة ومدني، وصولًا إلى خروج قواتها الكبيرة من ولاية الخرطوم بكامل عتادها عبر كبري خزان جبل أولياء، دون أي اعتراض أو مواجهة من الجيش.
هذه ليست انتصارات حقيقية، بل مسرحية ومشاهد مرتبة بدقة، تكشف أن الطرفين لا يملكان زمام قرارهم، وأن الخطوط العريضة لهذه الحرب مرسومة سلفًا في عواصم بعيدة.
حتى بيوت المواطنين التي جرى تحويلها إلى “قميص عثمان” وتم رفعها كشعار وشرط أساسي للجلوس في مفاوضات جدة، تكشف عبثية هذه الحرب القذرة.
فحين انسحبت منها قوات المليشيا طوعًا أو كرها، دخلت فيها قوات الجيش والكتائب الحليفة، والآن ترفض الخروج منها وتمنع أصحابها حتى من مجرد رؤيتها.
المواطن اليوم بلا بيت، ولا دولة، بينما القادة يتبادلون الأدوار على ركام الخرطوم وأشلاء دارفور.
في خلفية كل هذا العبث، يبرز العامل الحاسم والنتيجة المنطقية: مطابخ القرار الفعلية ليست في يد الخرطوم ولا نيالا، بل في دبي والقاهرة والرياض.
هناك تُرسم حدود الصراع، ويُمنع الجيش من اغتيال حميدتي كما يُمنع الأخير من المساس بالبرهان.
وكل ما يُترك لهؤلاء الوكلاء المحليين هو إدارة مسرح دموي تُحسب فيه “الانتصارات” على أجساد النساء والأطفال، لا على خصم مسلح.
الحرب في السودان لم تعد حرب تحرير ولا كرامة، بل مسرح عبث خارجي تُدار فصوله بعناية، بينما الشعب وحده يدفع ثمنه الكامل من دمه وبيوته ومستقبله.
[ad_2]
Source


