[ad_1]
#أحمد_عثمان_جبريل
#يكتب
السودان والإمارات.. رسائل عبر مقديشو وتسوية تُطبخ تحت الطاولة
في تطور مفاجئ حمل نبرة دبلوماسية مموّهة، تسارعت التحركات بين السودان والإمارات – لا عبر لقاءات مباشرة، بل عبر العاصمة الصومالية مقديشو.. فقد كشفت مصادر دبلوماسية موثوقة أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود تسلّم رسالتين منفصلتين، الأولى من رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، والثانية من نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، وذلك في إطار مساعٍ غير معلنة لتقريب المسافات بين بلدين مزقت الاتهامات والتباينات، علاقة ظلت استراتيجية وحميمية منذ أكثر من نصف قرن .
هذه المراسلات، وإن بدت في ظاهرها مجاملات ثنائية، إلا أن توقيتها ومضامينها الأمنية تكشف عن تحوّل دقيق في مسار العلاقة التي وصلت قبل أشهر قليلة فقط إلى إعلان قطيعة دبلوماسية، مع تصنيف السودان للإمارات كـ”دولة معادية” في خطاب رسمي غير مسبوق.. لينتقل البلدين من التراشق إلى الرسائل الاستخباراتية.
الواقع أن الأخطر في هذه التحركات، ليس وجود رسائل متبادلة فحسب، بل طبيعة الشخصيات التي أوكلت إليها هذه المهمة. فالسودان لم يبعث سفيره أو وزير خارجيته، بل أوفد رؤساء أجهزة المخابرات، ما يعني أن محتوى الرسالة لم يكن بروتوكوليًا، بل استخباراتيًا بامتياز.
ووفق ما نقلته (سودان تربيون) فقد أبلغت الخرطوم الرئيس الصومالي بمخاوفها من نقل أسلحة ومعدات عبر مطار بوصاصو في إقليم بونتلاند، شمال شرق الصومال، إلى قوات الدعم السريع، وفي ذلك وُجهت اتهامات بأن تلك الشحنات تحطّ مباشرة في مطار نيالا بجنوب دارفور.
إنه مشهد جديد تمامًا في العلاقة بين البلدين، حيث تُصبح الحدود الجغرافية الهامشية ممرات استراتيجية لصراع تتداخل فيه الجغرافيا والاستخبارات والسلاح.. ليبرز السؤال الموضوعي، هل عاد الحوار؟ أم هي مجرد قنوات تبريد؟ .. لذلك يبدو أن السؤال المشروع هنا: هل تعني هذه التحركات عودة جدية للحوار بين السودان والإمارات؟ أم أنها لا تعدو كونها مناورة ناعمة لإدارة الأزمة دون الانخراط في تسويتها؟
إن التبادل للحوار ونقل رسائل الاستفهام عبر طرف ثالث، واختيار شخصية مثل الرئيس الصومالي كوسيط، يوحي بأن الطرفين ما زالا غير مستعدين للاعتراف المتبادل بالحاجة إلى الحوار المباشر. لكنهما، في المقابل، لا يرغبان بإغلاق الباب كليًا. إنه إذًا حوار عبر الظلال، اختبار نوايا لا أكثر.
وفي هذا السياق، تبدو الوساطة الصومالية، رغم محدودية وزنها السياسي، محاولة لخلق نافذة خلفية للتواصل الأمني في غياب الحوار السياسي .. وهذا يدعوا الجميع للتساؤل: هل ما أفسدته الحرب.. يمكن ان تصلحه مقديشو؟
ليس سرًا أن الخلاف بين السودان والإمارات أعمق من أن يُحل برسالة أو وساطة عابرة.. فالسودان يتهم الإمارات صراحةً بدعم طرف عسكري متورط في النزاع الدموي، بينما ترد أبوظبي، بإنتقادات لأفعال المجلس العسكري وأحيانا بالصمت الحذر، مكتفيةً بالمبادرات الإنسانية والاتصالات الجانبية.
ويبدو أنه وحتى وإن نجحت الوساطة في تهدئة اللهجة الإعلامية أو إعادة فتح قنوات خلفية، فإن استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين تتطلب تحولًا استراتيجيًا في المواقف، وليس مجرد تبادل رسائل المجاملة.. فما أفسدته الحرب والسلاح، لا يصلحه “العطار الصومالي” وحده، مهما حسنت النوايا.
لكن هذه المناورة ربما تشير إلى تسوية تُطبخ في الكواليس؟ فبالرغم هشاشة الجهد الحالي، فإن القراءة الأعمق قد تشير إلى أن ما يجري عبر مقديشو ليس سوى واجهة أولى لتسوية أوسع تُطبخ بهدوء في مطابخ إقليمية ودولية.
فهناك دلالات كثيرة تشير إلى ذلك منها تزامن هذه التحركات مع جهود سعودية–تركية لإعادة فتح مسار سياسي في السودان.. كذلك الحديث المتزايد عن تسويات “مركّبة” تشمل الترتيبات الأمنية ونزع فتيل الدعم الإقليمي لأطراف الحرب.. كما ان الحديث عن اي تسوية لابد ان يصاحبه استخدام لغة “التنسيق الأمني والاستخباراتي” بدلاً من “التهدئة السياسية” وهو ما يعكس مقدمات لترتيبات على الأرض لا تُعلن إلا في لحظتها المناسبة.. بمعنى آخر: ربما لا تكون مقديشو هي من سيصلح ما انكسر، لكنها على الأرجح تساهم في ترتيب الطاولة لما هو قادم.
إننا نقول : في السياسة، كما في الحرب، ليست كل التحركات تعني ما يبدو ظاهرًا، وقد تكون هذه الرسائل المتبادلة عبر الصومال محاولة لبناء جسور صغيرة على وادٍ عميق من الشكوك .. لكنها، مع ذلك، علامة على أن النفي المطلق لم يعد ممكنًا، وأن البرود الظاهري، يخفي طبخة دافئة تُدار بأيدٍ كثيرة، بعضها في الخليج، وبعضها في أنقرة، والقاهرة، وحتى في واشنطن.. وحتى حين نضوج هذه الطبخة ينتظر الجميع أن ستُفضي إلى إنهاء النزيف؟ لا إلى مجرد تسخين لوجبة لم يحن وقتها بعد..
إنا لله ياخ..الله غالب.
[ad_2]
Source


