[ad_1]
عودة الإسلاميين من الباب الكبير: قراءة سايكولوجية في تناقض سلوك البرهان مع أقواله!
بقلم : #غزالي_آدم_موسى
في أكثر من خطاب علني، يكرّر السيد عبد الفتاح البرهان عبارته الشهيرة: «أين هم الإسلاميون؟ لا يوجد إسلاميون»، في مواجهة اتهامات خصومه بأنه يهيئ المسرح لعودتهم إلى مفاصل الدولة. غير أن الوقائع العملية تكشف عن مسار مختلف؛ فتعيين وهبي مختار رئيسًا للمحكمة الدستورية بدا لكثيرين مثالًا صارخًا على ما يمكن تسميته بـ إعادة تدوير نفايات الإسلاميين في مواقع حساسة كان يُفترض أن تُعاد صياغتها على أسس أكثر استقلالًا ونزاهة.
لفهم هذا التناقض، لا يكفي التفسير السياسي المباشر، بل من المفيد استدعاء أدوات علم النفس السياسي. فالتناقض بين القول والفعل ليس زلة عرضية، بل إستراتيجية متكررة يمكن قراءتها عبر مفاهيم مثل “التنافر المعرفي” و”إدارة الانطباع” و”الغموض الاستراتيجي”. البرهان، في خطابه، ينفي عودة الإسلاميين ليطمئن الداخل والخارج، بينما أفعاله تسعى لضمان استمرار شبكة الولاء التي ترتكز على البيروقراطية القديمة ومفاصل الدولة العميقة.
ولعل السؤال المركزي هنا: لماذا المحكمة الدستورية تحديدًا؟
القضاء الدستوري هو البوابة الحقيقية لتعريف الشرعية؛ من يفسّر حدود السلطة، يحدد قواعد اللعبة. وتعيين شخصية مثار جدل سياسي على رأس هذه المؤسسة يمنح القيادة ثلاث فوائد مباشرة: أولًا، تأمين الملعب القانوني عبر ضمان أن الطعون والمساءلات المستقبلية تمر برأس مؤسسي مضمون الولاء. ثانيًا، إرسال إشارة ولاء للنواة الصلبة في الدولة العميقة بأن قنواتها ما تزال مفتوحة. وثالثًا، اختبار الشارع بقياس سقف المقاومة المجتمعية: إذا مرّ التعيين بلا كلفة، يمكن رفع الجرعة لاحقًا.
لكن هذا التناقض يحتاج إلى خطاب يوازيه ويخفي آثاره. هنا يظهر ما يمكن تسميته بـ آليات بناء الخطاب النافي. أولها، تفكيك الخصم إلى فزاعة لفظية: تحويل الإسلاميين إلى شبح بلا عنوان محدد، بحيث كلما طالبت قوى الداخل أو الخارج بالتطهير، جاء الرد الساخر: «أين هم الكيزان؟ دلّونا عليهم». هكذا يُنقل عبء الإثبات من صاحب القرار إلى خصومه. ثانيها، تصوير التعيينات كقرارات تقنية لا سياسية: توصيفها باعتبارها ترتيبات إدارية روتينية، لخفض إدراك الجمهور لكلفتها السياسية الحقيقية.
بهذا المعنى، فإن التناقض بين أقوال البرهان وأفعاله ليس مجرد ازدواجية شخصية، بل هو نهج سلطة لا ترى في الدولة سوى أداة لإعادة تدوير الماضي، وتعتقد أن المجتمع يمكن خداعه بالإنكار المتكرر. غير أن الحقيقة التي يتجاهلها هذا النهج أن فقدان الثقة لا يُدار بالخطابات، وأن الاستقرار لا يُبنى على إعادة تدوير نفايات مرحلة لفظها الناس.
إن ما يفعله البرهان اليوم يشبه إدارة مسرح للعرائس: الكلمات تتحرك في اتجاه، بينما الأفعال تشد الخيوط في اتجاه آخر. والجمهور يُطلب منه أن يصدّق العرض المكرر: «لا وجود للإسلاميين». لكن ما يراه الناس خلف الكواليس أوضح بكثير من المسرحية الرديئة. في النهاية، لا يمكن بيع الوهم على أنه واقع إلا لفترة قصيرة؛ ثم ينكشف المخرج والممثلون معًا. وكل قرار يُدخل شخصيات الماضي عبر الباب الخلفي، ليس سوى خطوة إضافية نحو سقوط وهم الشرعية من خشبة هذا المسرح.
[ad_2]
Source


